زيارة الموفدين الأميركيين توم براك ومورغان أورتاغوس إلى لبنان، بعد توقف قصير في مسار الوساطة، أعادت التركيز على مسألة السلاح في البلاد، وخصوصًا ترسانة حزب الله، التي تعتبر حجر الزاوية في أي اتفاق أمني أو سياسي مع إسرائيل. الزيارة حملت رسائل واضحة للقيادة اللبنانية: أي تحرك إسرائيلي نحو الانسحاب من النقاط المحتلة جنوبًا مرتبط بخطوات ملموسة على صعيد نزع سلاح الحزب، ما قد يفرض معادلات جديدة على لبنان تتخطى منطق "انسحاب مقابل خطوة".
خلال اللقاءات مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، أبدى الموفدان الأميركيان تشديدًا على أن المرحلة لم تعد مرحلة وعود، بل زمن أفعال. وأكد أورتاغوس على "قرار تاريخي" حكومي يفرض على الجيش وضع خطة شاملة لنزع سلاح الحزب قبل نهاية العام، مشيرًا إلى أن واشنطن ستشجع إسرائيل على اتخاذ خطوات مقابلة مع تقدم لبنان في هذا الملف. في المقابل، ربط براك بين خطة الجيش والإجراءات الإسرائيلية، مُشيرًا إلى إمكانية انسحاب تدريجي من "النقاط الخمس" جنوبًا، مقابل مشاريع اقتصادية وصندوق دعم للبنان، شرط أن يسلك طريق نزع السلاح، ما يشير إلى استراتيجية أميركية – إسرائيلية واضحة تقوم على قاعدة "السلاح أولاً".
لكن الموقف الداخلي اللبناني يعكس انقسامات واضحة. الرئيس جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام شددا على التزام الدولة بحصر السلاح بيدها، بينما أكد رئيس البرلمان نبيه بري أنّ الأولوية يجب أن تكون بانسحاب إسرائيل ووقف عدوانها قبل فرض شروط مسبقة. أما حزب الله، فموقفه لا يزال ثابتًا: رفض التخلي عن السلاح، معتبرًا أنه ركيزة وجودية لمواجهة إسرائيل، وهو ما يجعل أي محاولة لإقناعه خارج السياق العملي.
في هذا السياق، تصبح المؤسسة العسكرية اللبنانية لاعبًا حاسمًا. فالجيش مكلف بوضع خطة نزع السلاح وعرضها على مجلس الوزراء، وهو مطالب بموازنة الالتزامات الدولية للبلاد مع الواقع الداخلي الرافض لأي نقاش حول سلاح الحزب. هذا يضع الجيش أمام اختبار صعب، إذ يجب أن يحافظ على موقعه كضامن للاستقرار، دون الانجرار إلى صدام مباشر مع حزب الله أو الأطراف السياسية المترددة.
على الجانب الأميركي، تبدو الضغوط مستمرة. أعضاء الكونغرس المرافقون للوفد، مثل ليندسي غراهام وجين شاهين، أكدوا أن أي انسحاب إسرائيلي قبل نزع سلاح الحزب "لا معنى له"، وأن لبنان لن يحصد أي مكسب فعلي دون تنفيذ هذا الشرط. هذه المواقف تعكس استراتيجية واضحة: ربط أي مكاسب لبنانية بإجراءات ملموسة تجاه ترسانة الحزب، ما قد يضع البلاد في مواجهة ضغوط متتالية على المستوى السياسي والأمني.
الأفق لا يبدو مفتوحًا لحلول سريعة. إسرائيل تصر على الحفاظ على نقاط القوة جنوب لبنان حتى يتم ضمان نزع السلاح، بينما واشنطن تضغط لترجمة القرارات اللبنانية على أرض الواقع. في المقابل، يرفع بري وحزب الله سقف رفض أي شروط أحادية، معتبرين ما تقدمه الدولة كافياً، ما يخلق فجوة كبيرة بين الطرفين.
في ضوء هذه المعطيات، يبدو لبنان الرسمي والجيش أمام امتحان مصيري: إما الشروع في إعادة ترتيب المعادلة الداخلية بما يسمح بتهدئة التوتر في الجنوب، أو الانزلاق نحو أزمة عميقة تهدد استقرار البلاد وحدودها الجنوبية مع إسرائيل. ومع استمرار التحديات الداخلية والخارجية، يبقى الوضع غامضًا، والأفق مفتوحًا على سيناريوهات متعددة، من إعادة ترتيب النفوذ والسيطرة على السلاح إلى صدام محتمل يربك التوازنات الأمنية والسياسية في البلاد.