تشهد محافظة السويداء في جنوب سوريا حالة متزايدة من التوتر السياسي والأمني، بعد أن حاولت واشنطن فتح طريق حيوي يربط المحافظة بالعاصمة دمشق، في خطوة تهدف لتسهيل الحركة بين المحافظات وتهدئة الأوضاع الإنسانية المتأزمة. ومع ذلك، تواجه الجهود الأميركية عقبات كبيرة بسبب رفض بعض القيادات المحلية التعاون مع المسار الدولي، ما يطرح تساؤلات حول الاستقرار الداخلي وقدرة الحكومة الانتقالية على فرض سيطرتها.
الطريق بين دمشق والسويداء يعد شرياناً حيوياً يربط المحافظة بالعاصمة ويتيح حركة المدنيين والتجارة والإمدادات الإنسانية. ورغم استعداد الحكومة لإعادة تشغيله، تواجه الوساطة الأميركية صعوبات جادة في التعامل مع القيادات المحلية، التي تتحمل مسؤولية استمرار الإغلاق، بحسب ما أُعلن. هذه التعقيدات تعكس الانقسام الداخلي في المحافظة، حيث تتضارب المصالح بين الحكومة الانتقالية والقيادات المحلية، في وقت يحتاج فيه السكان إلى تسهيل حركة الحياة اليومية والوصول إلى الخدمات الأساسية.
الوضع الإنساني في السويداء ما يزال مقلقاً، على الرغم من الهدوء النسبي الذي يسود بعض المناطق. النزاعات الأخيرة، التي شهدتها المحافظة منذ منتصف يوليو/تموز الماضي، أظهرت هشاشة الأمن المحلي، وأسفرت عن مقتل أكثر من 400 شخص خلال أسبوع واحد من الاشتباكات بين فصائل محلية وعشائر بدوية. ويظل الوصول الآمن إلى المناطق المتضررة محدوداً، في ظل نقص الدعم الدولي والخدمات الأساسية، ما يزيد من معاناة السكان المدنيين ويضاعف الحاجة إلى حل عاجل يضمن أمنهم واستقرارهم.
في المقابل، نفت الحكومة فرض أي حصار على المحافظة، مؤكدة فتح ممرات إنسانية لإدخال المساعدات، وتسهيل خروج من يرغب من المناطق المتضررة. تصريح الحكومة يعكس محاولة التوازن بين فرض سيطرتها على الأرض وتخفيف الأضرار الإنسانية، لكن التحدي الحقيقي يبقى في مدى قدرة السلطات على التحكم بالقيادات المحلية التي ترفض التعاون مع أي مسار رسمي أو دولي.
على خلفية ذلك، تصاعدت التحركات السياسية والعسكرية الداخلية في السويداء. فقد دعا الشيخ حكمت الهجري، أحد شيوخ العقل للطائفة الدرزية، إلى دعم دولي لإقامة "إقليم منفصل" في الجنوب السوري، مبرراً ذلك بمحاولات تهدف، وفق قوله، إلى "إبادة الطائفة الدرزية". وأضاف الهجري أن ما شهده الجنوب خلال الفترة الماضية يمثل تهديداً وجودياً للطائفة، داعياً المجتمع الدولي إلى التدخل لحماية السكان وضمان الاستقلال المحلي.
وفي خطوة عملية لدعم هذه المطالب، أعلن الهجري عن تشكيل "الحرس الوطني" في السويداء، الذي وصفه بأنه الذراع العسكري الدرزي المنظم لحماية الأرض والعرض، واعتبره هيئة عسكرية تمثل الطائفة. هذا التشكيل العسكري يأتي بالتوازي مع تأسيس لجنة قانونية لإدارة شؤون المحافظة، تتولى التعامل مع القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية، ما يعكس اتجاه الطائفة نحو إدارة مستقلة للسويداء بعيداً عن الرقابة المباشرة للحكومة الانتقالية.
التحركات الأخيرة لم تتوقف عند الإطار المحلي، بل امتدت لتشمل علاقات خارجية، إذ عبّر الهجري عن شكره للدعم الإسرائيلي، ما يشير إلى تنامي النفوذ الخارجي في الشؤون الداخلية للمحافظة. كما شهدت المحافظة مظاهرات ترفع فيها أعلام الاحتلال الإسرائيلي وتطالب بالاستقلال عن سوريا وفتح معبر نحو الأراضي المحتلة، ما يزيد تعقيد المشهد الأمني والسياسي، ويعكس توجه بعض القيادات المحلية للبحث عن حماية خارجية لضمان مصالحهم وموقعهم على الأرض.
هذه التطورات تطرح مجموعة من الأسئلة المهمة حول مستقبل السويداء: هل ستتمكن الحكومة الانتقالية من فرض سيطرتها على الطريق الحيوي وضمان عودة الهدوء بشكل دائم، أم أن الانقسامات الداخلية ستستمر في إعاقة أي جهود للتهدئة؟ وما مدى تأثير التحركات المحلية على الاستقرار الإقليمي، خصوصاً في ظل التدخلات الخارجية وتنامي نفوذ القوى الإقليمية؟
من منظور تحليلي، يظهر أن السويداء تمثل حالة نموذجية للتحديات التي تواجهها الحكومة الانتقالية في فرض الأمن وإدارة المحافظات ذات الطوائف والعشائرية القوية. الفشل في إعادة فتح الطريق الحيوي لن يؤدي فقط إلى استمرار المعاناة الإنسانية، بل قد يعزز من قدرة القيادات المحلية على فرض إرادتها وفرض تحالفات خارجية لتحقيق مصالحها. هذا الواقع يجعل أي جهود دولية أو حكومية، مهما كانت مدروسة، عرضة للفشل إذا لم تأخذ بعين الاعتبار القوى المحلية الفاعلة على الأرض.
الجانب الإنساني أيضاً يمثل تحدياً حقيقياً، إذ أن استمرار إغلاق الطريق يعوق وصول المساعدات الأساسية ويزيد من المخاطر على المدنيين، خاصة في ظل التحديات الأمنية وغياب البنية التحتية المناسبة لتقديم الدعم. الأمر الذي يجعل أي محاولة لإعادة فتح الطريق مرتبطة بالقدرة على التعامل مع القيادات المحلية وتنسيق الجهود بين الحكومة الانتقالية والمنظمات الإنسانية، لضمان استجابة فعّالة وموحدة.