سوريا وإسرائيل: مفترق الغموض والصفقات المحتملة

سامر الخطيب

2025.08.27 - 11:59
Facebook Share
طباعة

 تصاعدت مؤخراً التسريبات الإعلامية حول إمكانية التوصل إلى اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل، في ظل لقاء جمع وزير الخارجية السوري في الحكومة الانتقالية، أسعد الشيباني، بوفد إسرائيلي في باريس، ما أثار تكهنات واسعة حول مستقبل العلاقة بين الجانبين. وفي المقابل، تؤكد دمشق، عبر بيانات رسمية، عدم وجود أي اتفاق وشيك أو مفاوضات سرية، مؤكدة أن موقف الحكومة الانتقالية "ثابت ولن يتغير".


في يونيو/حزيران الماضي، نفت الحكومة الانتقالية السورية، في بيان رسمي، أي اتصالات مباشرة أو اتفاقات سرية مع إسرائيل، ووصفت ما يُتداول إعلامياً بـ"المفبرك"، مؤكدة أن الحديث عن سلام أو تطبيع سابق لأوانه. ومع ذلك، شهد 19 أغسطس/آب لقاءً بين الشيباني ووفد إسرائيلي، ناقشوا خلاله ملفات تتعلق بالاستقرار في الجنوب السوري، مراقبة وقف إطلاق النار في محافظة السويداء، وإعادة تفعيل اتفاق فصل القوات لعام 1974، ما أضاف أبعاداً جديدة للملف الأمني.


في الإعلام الإسرائيلي، تحدثت وسائل إعلام مثل القناة 12 عن اتفاق أمني محتمل بوساطة أمريكية وخليجية، يتضمن تقديم مساعدات وإعمار مقابل تنازلات محدودة من الحكومة الانتقالية، فيما أوردت صحف مثل "يديعوت أحرونوت" و"تايمز أوف إسرائيل" تقارير عن محادثات سرية لإدراج سوريا في مسار الاتفاقيات الإبراهيمية.


الخبراء يؤكدون أن أي اتفاق محتمل لن يصل إلى مستوى السلام الشامل. يقول الدكتور أشرف عُكة، خبير العلاقات الدولية، إن ما يُناقش حالياً يقتصر على "اتفاق أمني" يركز على الترتيبات العسكرية والأمنية في الجولان وجنوب سوريا، مع احتمال العودة إلى خطوط وقف إطلاق النار لعام 1974، دون معالجة شاملة لمسألة السيادة أو الاعتراف الرسمي بين الطرفين. وأكد أن أي اتفاق لا يأخذ في الاعتبار مستقبل الجولان سيبقى "ضعيفاً ومشحوناً بالمخاطر على الدولة السورية".


ويشير الدكتور عامر السبايلة، خبير الجغرافيا السياسية، إلى أن إسرائيل لا ترى في الحكومة الانتقالية شريكاً متكافئاً، بل تتعامل معها كجهة هشّة، لذلك تفرض ترتيبات عسكرية وأمنية تضمن مصالحها الاستراتيجية. ويعتبر أن أي اتفاق أمني سيكون لصالح إسرائيل، باعتبارها الطرف الأقوى في التوازن العسكري والسياسي.


العودة إلى اتفاق 1974 ليست اعتباطية، إذ ينص على وقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل، وانسحاب جزئي لإسرائيل، وإقامة منطقة عازلة تحت إشراف الأمم المتحدة، لكنه لم يفضِ إلى سلام سياسي أو اعتراف متبادل. اليوم، يكتسب الاتفاق أهمية تفاوضية في ظل تصاعد التوتر على الجبهة الشمالية لإسرائيل، واتساع رقعة الاتفاقيات الإبراهيمية، ومحاولات واشنطن تثبيت الاستقرار في المنطقة.


كما أثار الحديث عن "الممر الإنساني" في السويداء، الذي تطرحه إسرائيل لحماية الأقليات الدرزية، جدلاً داخل سوريا. فالجانب السوري يعتبره وسيلة لتكريس النفوذ الإسرائيلي وربطه بالشأن الداخلي، ما قد يمنح إسرائيل أدوات ضغط جديدة تتجاوز اتفاق 1974. السويداء شهدت في يوليو/تموز مواجهات بين مسلحين محليين والقوات الحكومية، ما يعكس هشاشة الوضع الأمني ويزيد من حساسية الترتيبات المحتملة.


من الناحية القانونية، يُعتبر فرض إسرائيل قوانينها على الجولان مخالفاً لاتفاقية جنيف الرابعة وقرار مجلس الأمن 497 (1981). ويشير الباحث علي عثمان قراوغلو إلى أن الحكومة الانتقالية لا يمكنها التنازل النهائي عن الجولان، حتى ضمن تسوية سياسية، لأن ذلك قد يُفسّر على أنه شرعنة للاحتلال، موضحاً أن أي تسوية يجب أن تشمل إما انسحاباً إسرائيلياً كاملاً أو إدارة مشتركة بإشراف دولي، مع الحفاظ على السيادة القانونية السورية، وربما مطالبة دمشق بتعويضات عن سنوات الاحتلال.


تحديات أي اتفاق محتمل تشمل الحفاظ على مصالح الدولة السورية، حماية المكونات المحلية، التعامل مع التدخلات الإقليمية، والالتزام بالقوانين الدولية. أي ترتيب أمني سيكون ناقصاً إذا لم يُدمج ضمن إطار تسوية إقليمية أوسع يشمل لبنان وغزة والضفة الغربية واليمن وإيران وتركيا، حيث تتشابك الملفات الأمنية والسياسية.


ختاماً، المشهد الحالي يتسم بالغموض بين التسريبات الإعلامية والنفي الرسمي، مع احتمالات متعددة تتراوح بين إعادة صياغة جيوسياسية في جنوب سوريا وبين مجرد لعبة سياسية لتثبيت النفوذ الإقليمي والدولي، دون تغيير جوهري في التوازنات.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 2