دخلت الساحة السورية مرحلة أكثر تعقيدًا مع تزايد الضربات الإسرائيلية واستمرار التوغلات العسكرية في العمق السوري، في وقتٍ شددت فيه الإمارات على رفضها القاطع لهذا التصعيد. الموقف الإماراتي لم يكن مجرد إدانة دبلوماسية، بل حمل في طياته تحذيرًا من تداعيات خطيرة تهدد الأمن والاستقرار الإقليمي إذا ما استمر خرق السيادة السورية بهذا الشكل.
وزارة الخارجية الإماراتية أكدت، في بيان رسمي، أن التوغلات الإسرائيلية تمثل خرقًا صارخًا للقانون الدولي واتفاق فضّ الاشتباك لعام 1974، مشددة على أن إسرائيل مطالَبة بالالتزام به واحترام سيادة سوريا. وأوضحت أبوظبي أن استمرار هذا النهج يفتح الباب أمام تصعيد واسع، داعية المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لوقف الاعتداءات، وتثبيت استقرار سوريا كشرط أساسي لأي تسوية سياسية في المنطقة.
تزامن البيان الإماراتي مع تصعيد جديد على الأرض، إذ أعلنت دمشق أن ستة من عناصر جيشها قُتلوا في هجوم بطائرات مسيّرة إسرائيلية قرب ريف دمشق، في واحدة من أعنف الضربات منذ أسابيع. وفي موازاة ذلك، أكد وزير الدفاع الإسرائيلي أن قوات بلاده ستبقى متمركزة في مواقع داخل الأراضي السورية قرب جبل الشيخ، فيما وصفه بـ"منطقة أمنية" رغم المناقشات الجارية مع أطراف دولية وإقليمية لخفض التوتر. هذه التطورات تعكس إصرار تل أبيب على تغيير قواعد الاشتباك عمليًا، حتى لو كان ذلك على حساب الاتفاقات الدولية القائمة منذ نصف قرن.
الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة ليست معزولة عن سياقها الإقليمي. فمنذ اندلاع حرب غزة، كثّفت إسرائيل ضرباتها في سوريا بزعم استهداف مواقع مرتبطة بإيران وحزب الله، وهو ما تعتبره دمشق خرقًا لسيادتها وامتدادًا لسياسة فرض الأمر الواقع.
على الجانب العربي، يبرز الموقف الإماراتي كجزء من اصطفاف أوسع شمل مصر والأردن وقطر ودول خليجية أخرى، وجميعها أبدت رفضًا لأي مساس بالأراضي السورية أو تحويلها إلى ساحة لتصفية الحسابات. ويقرأ محللون هذا الموقف باعتباره رسالة مزدوجة: الأولى لإسرائيل بأن استمرار التوغلات يقوّض أي مسار للتهدئة الإقليمية، والثانية للمجتمع الدولي بأن الصمت على هذه الاعتداءات قد يجر المنطقة إلى انفجار جديد.
أما إصرار إسرائيل على البقاء في مواقع سورية استراتيجية كجبل الشيخ، فيحمل دلالات تتجاوز البعد العسكري المباشر، إذ يعكس رغبة في فرض "منطقة عازلة" بحكم الأمر الواقع، شبيهة بتجارب سابقة في جنوب لبنان. وهذا السيناريو قد يعيد إلى الواجهة تساؤلات كبرى حول مستقبل التوازنات الأمنية في المنطقة، خصوصًا مع ازدياد احتمالات مواجهة مفتوحة مع حزب الله على الجبهة الشمالية.
في ظل هذا المشهد، يبدو أن الساحة السورية تحولت مجددًا إلى عقدة إقليمية يصعب تجاوزها. فإسرائيل ماضية في هجماتها بذريعة "الدفاع الوقائي"، وسوريا ترى في ذلك انتهاكًا لسيادتها، فيما ترفع الإمارات ومعها دول عربية أخرى صوتها محذّرة من مخاطر الانزلاق نحو مواجهة أوسع. ويبقى السؤال: هل تنجح التحركات الدبلوماسية في كبح جماح التصعيد، أم أن المنطقة تتجه نحو جبهة جديدة تضاف إلى تعقيدات المشهد الشرق أوسطي؟