مؤتمر صحفي يتحول إلى أزمة بين الإعلام اللبناني والمبعوث الأمريكي

بارّاك يتجاوز حدود اللياقة الدبلوماسية

2025.08.27 - 10:20
Facebook Share
طباعة

تحوّل المؤتمر الصحفي الذي عقده المبعوث الأمريكي الخاص إلى لبنان، توماس بارّاك، في قصر بعبدا، من مناسبة سياسية لعرض مبادرته بشأن نزع سلاح حزب الله إلى ساحة مواجهة لفظية مع الصحفيين اللبنانيين، بعدما وصفهم بـ"الحيوانيين"، في حادثة أثارت موجة غضب واسعة في الأوساط الإعلامية والرسمية على حد سواء.

تصريحات جارحة على الهواء

أثناء فوضى الأسئلة وتداخل أصوات المراسلين، انفعل بارّاك قائلاً: "اللحظة التي يتحول فيها الأمر إلى فوضى... بشكل حيواني، سنغادر. تصرّفوا بمدنية ولطف وتسامح، فهذا بالضبط هو جوهر المشكلة في المنطقة."
هذه الكلمات، التي أراد بها تهدئة القاعة، تحولت إلى شرارة أزمة، إذ اعتبرها الصحفيون إساءة مباشرة ليس فقط إلى زملائهم، بل إلى مهنة الصحافة في لبنان بأكملها.

ردود إعلامية غاضبة

الصحفية اللبنانية المخضرمة هالة جابر اعتبرت تصريحات بارّاك "مزيجًا من الغرور والعنصرية"، وكتبت على منصة "إكس": "بارّاك يدخل بيروت كأنه مندوب استعماري من القرن التاسع عشر، يصف الصحفيين بالحيوانيين. هذه ليست فقط وقاحة بل عنصرية بحتة."
بدوره، وصف الصحفي علي هاشم الموقف بأنه "إهانة وقحة"، مشيرًا إلى أن "غرور بعض المسؤولين الأمريكيين في لبنان تجاوز حدود المقبول، وكأنهم يتعاملون مع بلد بلا سيادة ولا كرامة."

لم تتأخر النقابات المهنية في الرد، إذ أصدرت نقابة المصورين الصحفيين بيانًا شديد اللهجة وصفت فيه تصريحات بارّاك بأنها "سابقة خطيرة"، وطالبت باعتذار فوري، ولوّحت بمقاطعة زياراته المقبلة.
أما نقابة المحررين فأكدت أن ما جرى يشكّل "انتهاكًا لحرية الصحافة وكرامة الإعلاميين"، مطالبةً ببيان اعتذار علني يحفظ مكانة الصحافة اللبنانية.
الرئاسة اللبنانية بدورها أصدرت بيانًا مقتضبًا عبّرت فيه عن "الأسف الشديد لما صدر عن أحد الضيوف"، مؤكدة على احترام الدولة لجهود الصحفيين، وسعيها لصون كرامتهم.

تأتي هذه الأزمة في لحظة حساسة، حيث يضغط المبعوث الأمريكي على الحكومة اللبنانية لتقديم خطة واضحة لإقناع حزب الله بالتخلي عن سلاحه قبل نهاية العام، مقابل وعود باستثمارات خليجية في الجنوب. لكن تصريحات بارّاك المسيئة للصحفيين أظهرت فجوة في الخطاب: فبينما يحاول تسويق مبادرته كفرصة اقتصادية–سياسية للبنان، بدا وكأنه يتعامل مع الإعلام المحلي بروح استعلائية تفتقر إلى الحساسية المطلوبة.

هذا التناقض يطرح سؤالًا جوهريًا: كيف يمكن لمشروع دولي بهذا الحجم أن يُكتب له النجاح، إذا كان يفتقر منذ البداية إلى احترام أبسط مقومات العلاقة مع الرأي العام اللبناني، ممثلاً بالإعلام؟

أزمة سياسية–إعلامية جديدة

الحادثة لم تعد مجرد سوء تفاهم بين مسؤول أجنبي وصحفيين محليين، بل باتت مؤشرًا على توتر عميق بين مقاربة الإدارة الأمريكية الجديدة للبنان وبين حساسية الداخل اللبناني تجاه الكرامة الوطنية وحرية التعبير. فبينما يسعى بارّاك إلى تسويق مبادرة معقّدة لنزع سلاح حزب الله، وجد نفسه في مواجهة مفتوحة مع الإعلام المحلي، وهو ما قد يعقّد مهمته ويضعف صدقية أي طرح يقدمه مستقبلاً.

بين المبادرات الدولية و"سقف الكرامة" اللبنانية

لبنان يعيش مرحلة مفصلية مع اقتراب المهلة النهائية التي حددتها واشنطن لنزع سلاح حزب الله بحلول نهاية 2025، وسط وعود باستثمارات خليجية وإجراءات اقتصادية مشروطة. لكن مشهد قصر بعبدا كشف عن إشكالية إضافية: هل يمكن أن تنجح أي مبادرة دولية إذا كانت تُقدَّم بروح متعالية أو بخطاب جارح للرأي العام اللبناني وإعلامه؟ 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 4