دمشق تحت النار مجددًا: لماذا تصعّد تل أبيب ضرباتها الآن؟

وكالة أنباء آسيا

2025.08.27 - 08:13
Facebook Share
طباعة

في تصعيد عسكري متجدد على الساحة السورية، أعلنت وسائل الإعلام الرسمية في دمشق مقتل ستة جنود من الجيش السوري جراء غارة نفذتها طائرة مسيّرة إسرائيلية استهدفت مواقع عسكرية في منطقة الكسوة بريف دمشق. ورغم أن إسرائيل التزمت الصمت ولم تؤكد أو تنفِ مسؤوليتها، إلا أن طبيعة الضربة ومكانها تعكسان استمرار النهج الإسرائيلي القائم على استهداف العمق السوري كلما رأت في ذلك تهديدًا لأمنها الاستراتيجي.

 

بحسب الإعلام السوري، وقعت الغارة في محيط مواقع عسكرية جنوب العاصمة، وأسفرت عن مقتل ستة عناصر من الجيش النظامي. الهجوم لم يكن الأول من نوعه في هذه المنطقة، حيث تُعد الكسوة ومحيطها من أبرز النقاط العسكرية التي تربط بين العاصمة دمشق والجنوب السوري، وهو ما يجعلها في قلب الحسابات الأمنية الإسرائيلية.

في غياب تعليق رسمي من تل أبيب، تبقى المؤشرات الميدانية والسياسية هي الفيصل. إذ يتضح أن إسرائيل تسعى من خلال هذه الضربات إلى تثبيت معادلة ردع مزدوجة: إضعاف البنية العسكرية السورية من جهة، وتوجيه رسائل مباشرة إلى إيران وحزب الله من جهة ثانية، باعتبار أن وجودهما في محيط دمشق يشكل تهديدًا دائمًا للمصالح الإسرائيلية.

 

أبعاد استراتيجية تتجاوز سوريا

هذه الضربة، وإن بدت محدودة في نتائجها، إلا أنها تندرج ضمن إطار أوسع من "حرب الظل" التي تخوضها إسرائيل داخل الأراضي السورية منذ سنوات. الرسائل المبطنة في العملية لا تقتصر على الداخل السوري، بل تتعداه إلى الإقليم:

نحو إيران: التأكيد على أن أي تعزيز لحضورها العسكري أو لمحاولات نقل السلاح عبر سوريا لن يمر دون رد.

نحو حزب الله: تذكير بأن الحدود اللبنانية – السورية ليست منفصلة في الحسابات الإسرائيلية، وأن أي تعزيز للقدرات في دمشق أو ريفها قد يُترجم في النهاية إلى تهديد مباشر للجبهة الشمالية لإسرائيل.

نحو روسيا: تل أبيب تحافظ على معادلة دقيقة مع موسكو، حيث تضرب أهدافًا داخل سوريا دون المساس بالمصالح الروسية المباشرة، في محاولة للحفاظ على قنوات الاتصال مفتوحة رغم التوترات العالمية.

 

سياسة ثابتة رغم تغير الظروف

منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، نفذت إسرائيل مئات الضربات الجوية ضد أهداف عسكرية داخل سوريا. ورغم تغير الإدارات في تل أبيب والظروف الإقليمية، ظلت السياسة الإسرائيلية ثابتة: منع التموضع الإيراني، وضرب خطوط الإمداد لحزب الله، والتأثير في قرارات النظام السوري من دون الانجرار إلى حرب شاملة.

الأشهر الماضية شهدت تصاعدًا في هذه العمليات، لا سيما بعد انسحاب قوات النظام من مناطق في الجنوب السوري واشتداد التوتر مع إسرائيل على خلفية التطورات في الجبهة اللبنانية. ضربات سابقة وصلت إلى محيط القصر الرئاسي ووزارة الدفاع في دمشق، في رسائل مباشرة للنظام بأن الخطوط الحمراء الإسرائيلية لا تحتمل التهاون.


بين "الروتين" العسكري وخطر الانفجار

الغارة الأخيرة التي أودت بحياة ستة جنود سوريين قد تبدو امتدادًا لـ"روتين" الضربات الإسرائيلية في سوريا، لكنها تحمل في طياتها مؤشرات على تصعيد محتمل إذا ما تكررت في مواقع أكثر حساسية أو تسببت بخسائر واسعة.

يبقى السؤال الأبرز: هل ستتعامل دمشق مع هذه العملية كسابقاتها، مكتفية بالتنديد الإعلامي، أم أن النظام – مدعومًا من حلفائه – قد يلجأ إلى رد يفتح باب مواجهة أوسع؟ وفي المقابل، هل تراهن إسرائيل على أن رسائلها الردعية تكفي لتفادي الانزلاق إلى حرب شاملة، أم أن حسابات الأطراف الإقليمية قد تفرض واقعًا مختلفًا؟

ما هو مؤكد أن الساحة السورية ستظل ساحة اختبار مستمر للتوازنات الإقليمية، حيث تُترجم صراعات النفوذ على الأرض عبر طائرات مسيّرة وصواريخ دقيقة، في لعبة معقدة لا تزال مفتوحة على كل الاحتمالات.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 7