هل تحول القضاء الإسرائيلي إلى ساحة صراعات؟

متابعات _ وكالة أنباء آسيا

2025.08.26 - 05:08
Facebook Share
طباعة

تشهد الساحة الإسرائيلية هذه الأيام فصلاً جديداً من التوترات داخل أروقة القضاء، بعدما بعث يوناتان أوريتش، المستشار الإعلامي السابق لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، رسالة حادة إلى لجنة الشكاوى القضائية هاجم فيها حركة "جودة الحكم"، إثر شكوى تقدمت بها ضد القاضي مناحيم مزراحي.

القاضي مزراحي كان قد أصدر قراراً بإعفاء أوريتش من جميع القيود التقييدية المفروضة عليه في ما يعرف بـ"قضية كيترغيت"، وهو قرار لم يرق للشرطة التي طالبت بالإبقاء على تلك القيود، ليتم لاحقاً إلغاؤه من قبل قاضٍ آخر هو أميت ميخاليس. وبين تضارب القرارات وتبادل الطعون، بدا أن القضاء الإسرائيلي نفسه قد تحول إلى ساحة شد وجذب، تعكس حجم التصدع داخل مؤسساته.

أوريتش وصف خطوة حركة جودة الحكم بأنها "مخزية وخطيرة"، معتبراً أنها ليست سوى محاولة لـ"ترهيب القضاة الذين يتخذون قرارات مستقلة"، وفق تعبيره.
وذهب أبعد من ذلك حين اتهم جهات في الشرطة بتسريب إفادات للصحافة منذ أشهر تهدف إلى تشويه صورة القاضي مزراحي والتشكيك في أهليته، دون أن يصدر أي موقف رسمي من المؤسسة القضائية يدين هذه الحملة أو يضع لها حداً.

هذا المشهد المربك يضع القضاء الإسرائيلي، الذي طالما سعى لتقديم نفسه باعتباره حصناً لاستقلالية القانون، في موقع لا يُحسد عليه.
فبينما تزعم منظمات مثل "جودة الحكم" أنها تمارس دوراً رقابياً لحماية نزاهة الجهاز القضائي، يرى مقربون من نتنياهو أن مثل هذه التحركات لا تعدو كونها أدوات ضغط سياسية تستهدف تقويض هيبة القضاة وإخضاعهم للأجندات.

وفي محاولة لتهدئة الجدل، نقلت وسائل إعلام عبرية عن مسؤول قضائي بارز أن أمين المظالم الخاص بالقضاة، القاضي المتقاعد آشر كولا، يستعد لرفض شكوى "جودة الحكم" بشكل قاطع. ووفقاً للمصدر، فإن القرار الذي أصدره مزراحي يدخل ضمن صلاحياته التقديرية كقاضٍ، ولا يملك أمين المظالم أي سلطة للتدخل في قرارات قضائية من هذا النوع.

لكن بعيداً عن الجانب الإجرائي، فإن التراشق الإعلامي والسياسي المرافق لهذه القضية يترك انطباعاً مغايراً: فالقضاء الإسرائيلي، بدلاً من أن يبقى مؤسسة فوقية محصنة من الضغوط، صار جزءاً من لعبة الصراع بين أجنحة سياسية وأمنية متنافسة. هذا ما يجعل السؤال مشروعاً: هل ما زال القضاء في إسرائيل قادراً على الحفاظ على استقلاله، أم أنه بات أداة إضافية في يد الصراعات الداخلية؟

المفارقة أن إسرائيل، التي تحاول دائماً تصوير نفسها في الخارج على أنها "واحة القانون والديمقراطية" في المنطقة، تجد مؤسساتها القضائية اليوم غارقة في نزاعات داخلية تُدار على صفحات الصحف ووسائل الإعلام أكثر مما تُدار في قاعات المحاكم.
وهو ما يثير ابتسامة شماتة في العالم العربي، حيث يظهر القضاء الإسرائيلي، مرة أخرى، مكشوفاً أمام خصوماته وانقساماته.

وبينما ينتظر الشارع الإسرائيلي قرارات قضائية جديدة في ملفات نتنياهو وعدد من مقربيه، يبدو أن جهاز القضاء نفسه أصبح أحد ساحات الصراع الكبرى، لا بين قضاة ومحامين فقط، بل بين مؤسسات مدنية وأجهزة أمنية، وحتى بين الطامحين لتسجيل نقاط سياسية على خصومهم. هكذا، بدل أن يكون الحكم كلمة فاصلة، أصبح القضاء موضوعاً للنزاع ذاته. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 9