تصاعدت التوترات الإقليمية مجددًا بعد تصريحات لمسؤول إسرائيلي بارز توعد فيها بـ"استهداف" حزب الله إذا لم يتخلى عن سلاحه. هذه التصريحات تأتي في وقت يشهد لبنان سلسلة من التحركات الدبلوماسية المكثفة، بعد زيارة وفد أميركي بارز إلى بيروت التقى خلالها رئيس الجمهورية جوزف عون لمناقشة ملفات حساسة تتعلق بالأمن والسياسة الإقليمية والاقتصاد.
الوفد الأميركي ضم سيناتورات ونوابًا بارزين، ترافقهم شخصيات دبلوماسية عليا، وأكد خلال اجتماعاته أن الولايات المتحدة ملتزمة بدعم لبنان في مسار استقرار البلاد وازدهارها، مشددة على أن نزع سلاح حزب الله يعد خطوة أساسية نحو مستقبل أفضل للشعب اللبناني.
لقاء بيروت: دعم أم ضغط؟
خلال اللقاء، جدد الرئيس عون التأكيد على رغبة لبنان في تعزيز علاقاته مع الدول المجاورة، وخصوصًا سوريا، مشيرًا إلى استعداد بلاده لمعالجة الملفات الثنائية بروح التعاون وحسن الجوار. وأبدى الوفد الأميركي ارتياحه لما وصفه بالتقدم الإيجابي، مشيرًا إلى استعداد دمشق لتحسين علاقاتها مع لبنان، في مؤشر إلى توازنات إقليمية دقيقة تسعى واشنطن لاستغلالها لدعم استقرار لبنان.
الرسائل الأميركية كانت مزدوجة: دعم الحكومة اللبنانية في تعزيز قدرات الجيش وضمان الأمن الداخلي، مع الضغط بشكل غير مباشر على حزب الله للتخلي عن السلاح. وأوضح الموفد توم براك أن الأمر لا يتعلق بحرب، بل بإقناع الحزب بوقف التسليح، مؤكدًا أن الولايات المتحدة تعمل على تعزيز الثقة مع لبنان عبر خطوات اقتصادية واستثمارية ودبلوماسية، بما في ذلك إشراك دول الخليج لإحداث نهضة اقتصادية جنوب البلاد وتقليل التوتر مع إسرائيل.
إسرائيل: وقاحة تحت ذريعة التعاون
هنا يظهر التناقض الأبرز. إسرائيل التي دمرت لبنان مرارًا من خلال حروبها وحملاتها الجوية، تأتي اليوم لتتحدث عن "التعاون" مع الحكومة اللبنانية. تصريحات الموفدة مورغان أورتاغوس كشفت الوجه المزدوج لهذه السياسة، حيث قالت إن إسرائيل مستعدة للتحرك خطوة بخطوة وفق ما تقرره الحكومة اللبنانية، وتشجع على اتخاذ خطوات "تاريخية" لنزع السلاح.
الوقاحة في الموقف تكمن في أن الكيان الذي خلف آلاف الشهداء ودمر البنية التحتية اللبنانية، وتسبب بمعاناة مستمرة للشعب، يقدم نفسه فجأة كطرف داعم للتعاون، بينما يهدد في الوقت نفسه حزب الله مباشرة، كأنه يتظاهر بالاعتدال تحت غطاء دبلوماسي. هذا الموقف يعكس استراتيجية إسرائيلية تحاول الحد من تأثير حزب الله دون مواجهة مباشرة، لكنها لا تتورع عن فرض شروطها على الدولة اللبنانية، مستغلة الضغط الدولي والاقتصادي لتحقيق مصالحها الخاصة.
حزب الله بين الضغط الداخلي والخارجي
تحليل المواقف الأميركية والإسرائيلية يكشف أن حزب الله أصبح تحت ضغط متزايد من عدة محاور: الحكومة اللبنانية، الولايات المتحدة، ودول المنطقة التي تتطلع إلى استقرار لبنان وتعزيز علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع الدولة اللبنانية. السيناتور الأميركي ليندسي غراهام شدد على أن مسألة نزع السلاح ليست فرضًا خارجياً، بل قرار لبناني داخلي، بينما أكدت السيناتور جين شاهين أن هذه الخطوة صعبة لكنها ضرورية لاستقرار الدولة.
هذا التوازن الدقيق يظهر أن لبنان يقف عند مفترق طرق: إما السير بخطوات جدية نحو نزع السلاح والمضي في الإصلاحات الاقتصادية، أو الاستمرار في وضع هش يتركه عرضة للضغوط الإقليمية والدولية المتزايدة. ومن المتوقع أن يكون عرض الحكومة اللبنانية وخطط الجيش في نهاية الشهر خطوة حاسمة تحدد شكل المشهد السياسي والأمني في البلاد.
التحليل الاستراتيجي
الخطوات الحالية تشير إلى تحرك متكامل يجمع بين السياسة والدبلوماسية والاقتصاد لتحقيق هدف مزدوج: نزع السلاح وتحقيق ازدهار اقتصادي يخفف من الضغوط الداخلية والخارجية على لبنان. لكن نجاح هذه المساعي يعتمد على قدرة الحكومة اللبنانية على الموازنة بين الضغوط الأميركية والإسرائيلية وبين الواقع الداخلي والحفاظ على استقرار البلاد.
يبقى السؤال الأكبر: هل يوافق حزب الله على التخلي عن سلاحه، أم سيختار التصعيد؟ الخيارات المتاحة للحكومة اللبنانية محدودة، وكل خطوة تجاه نزع السلاح ستشكل اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدولة على فرض سيادتها وتحقيق مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا لشعبها.