في خطوة استراتيجية غير مسبوقة، وقّعت وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات السورية اتفاقية تعاون مع الشركة الاستشارية العالمية "آرثر دي ليتل" لتعزيز مشاريعها الكبرى في البنية التحتية الرقمية، بما في ذلك مشروعا "سيلك لينك" و"برق نت". الاتفاقية، التي تم توقيعها يوم الاثنين 25 من آب، تهدف إلى الاستفادة من الخبرات العالمية لتطوير شبكة اتصالات قوية وموثوقة في سوريا، وتحقيق طفرة نوعية في جودة الإنترنت والخدمات الرقمية المقدمة للمواطنين والشركات.
وتأتي هذه الخطوة في سياق طموح الوزارة لتحديث البنية التحتية للاتصالات وربط سوريا عالميًا عبر مشاريع رقمية كبرى. إذ ستعمل "آرثر دي ليتل" على تقديم استشارات متخصصة في تقييم العروض المقدمة من حوالي 30 شركة إقليمية ودولية، ما يعكس أهمية المشروعين على المستوى الإقليمي والدولي. وتعد هذه الشراكة بمثابة رسالة قوية على قدرة الحكومة السورية الجديدة على جذب الاستثمارات النوعية وتعزيز الثقة في السوق السورية بعد سنوات من التحديات.
وأكد وزير الاتصالات، عبد السلام هيكل، أن الهدف الأساسي هو تقديم خدمات إنترنت واتصالات عالية الجودة لكل مواطن ومؤسسة في سوريا في أسرع وقت ممكن. واعتبر أن التعاون مع شركة استشارية عالمية سيضمن اعتماد أفضل الممارسات العالمية في تطوير قطاع الاتصالات، بما يدعم النمو الاقتصادي ويجعل سوريا نقطة اتصال مهمة بين آسيا وأوروبا.
من جانبه، أوضح الشريك الإداري لشركة "آرثر دي ليتل" في الشرق الأوسط توماس كوروفيلّا أن الاتفاقية لا تهدف فقط إلى تلبية الاحتياجات الفورية للمواطنين، بل تسعى إلى إحداث أثر طويل الأمد في مستوى القطاع الرقمي. وأضاف أن خبرة الشركة ستسهم في تسريع تنفيذ مشروعي "سيلك لينك" و"برق نت"، بما يعزز البنية التحتية ويخلق بيئة مناسبة لجذب الاستثمارات العالمية.
مشروع "سيلك لينك": طريق الحرير الرقمي
يعتبر مشروع "سيلك لينك" مشروعًا استراتيجيًا ضخمًا يمتد لحوالي 4500 كيلومتر، ويهدف إلى تطوير شبكة الألياف الضوئية وربط المدن السورية الرئيسية مثل دمشق وحلب ومراكز التحويل في تدمر والمناطق الشرقية والجنوبية، بالإضافة إلى ربط نقطة وصول بحرية في طرطوس. هذا المشروع سيضع سوريا على خارطة العالم الرقمية كممر استراتيجي لحركة البيانات بين آسيا وأوروبا، مستعيدًا مكانتها التاريخية كنقطة التقاء بين القارات.
ويأتي المشروع في إطار رؤية الحكومة لتحويل سوريا إلى مركز رقمي إقليمي، بما يعزز الاقتصاد الرقمي ويوفر فرصًا للشركات العالمية للاستثمار في البنية التحتية، ويتيح للمواطنين الحصول على خدمات إنترنت فائقة السرعة وفق معايير عالمية. كما يتيح "سيلك لينك" إنشاء نقاط اتصال إقليمية مع الأردن ولبنان وتركيا، ما يضاعف القيمة الاستراتيجية للمشروع.
مشروع "برق نت": الإنترنت إلى كل منزل
موازياً لمشروع "سيلك لينك"، أطلقت الوزارة مشروع "برق نت" لتوصيل الإنترنت عبر الألياف الضوئية مباشرة إلى المنازل والمؤسسات في جميع أنحاء سوريا ضمن خطة وطنية طموحة. ويعتمد المشروع على نموذج النفاذ المفتوح، مما يتيح للشركات الاستثمار في البنية التحتية وبيع خدمات الإنترنت بالجملة، لتوفير منتجات متطورة ومنافسة للمستخدم النهائي. وتهدف الوزارة إلى ربط 85% من البيوت والمؤسسات خلال سنتين، مع ضمان الجودة العالية واستمرارية الخدمة.
ويعتبر "برق نت" خطوة محورية في تحسين جودة الحياة الرقمية في سوريا، إذ يوفر سرعات فائقة للإنترنت، ويخلق بيئة تنافسية بين مزودي الخدمات، كما يسهم في تعزيز التنمية الرقمية ورفع كفاءة الاقتصاد الرقمي. ومن المتوقع أن يصبح المشروع بمثابة حجر أساس للثورة الرقمية في البلاد، مع إمكانية توسيع نطاقه مستقبلاً ليشمل خدمات متقدمة مثل التعليم الرقمي والتجارة الإلكترونية والحكومة الإلكترونية.
تحليل الأهمية الاستراتيجية
يعكس توقيع هذه الاتفاقية توجه الحكومة السورية الجديدة نحو بناء بنية تحتية رقمية قوية، تضع سوريا على خارطة التكنولوجيا العالمية. فمشروع "سيلك لينك" يربط سوريا بالقارات، بينما مشروع "برق نت" يربط كل بيت ومؤسسة في الداخل، ما يعزز قدرة الدولة على الاستفادة من الاقتصاد الرقمي العالمي. وتبرز أهمية الشراكة مع شركة عالمية ذات خبرة تاريخية في الاستشارات الاستراتيجية، حيث توفر خبراتها أدوات لتجنب الأخطاء وتحقيق أقصى استفادة من الاستثمارات.
كما يمكن اعتبار المشروعين رسالة واضحة للمجتمع الدولي، مفادها أن سوريا الجديدة قادرة على جذب الاستثمارات العالمية، والعمل بشفافية ووفق أعلى المعايير التقنية، بعيدًا عن الفساد والتحديات الإدارية السابقة. ويأتي المشروعان ضمن استراتيجية طويلة الأمد لتعزيز الثقة في السوق السورية وتهيئة بيئة استثمارية منافسة ومستدامة.
رؤية مستقبلية
تشير الخطوات الحالية إلى أن سوريا تسعى لتكون مركزًا رقميًا إقليميًا، حيث تلعب البنية التحتية الرقمية دورًا أساسيًا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ومع اعتماد أحدث التقنيات في الاتصالات، يصبح بالإمكان تطوير الخدمات العامة والخاصة، ودعم التعليم والعمل عن بعد، وتحفيز الابتكار المحلي والعالمي. وتتيح المشاريع الحديثة للحكومة متابعة جودة الخدمة وضمان وصول الإنترنت بشكل موثوق لكل المواطنين، ما يسهم في تحقيق العدالة الرقمية وتوفير الفرص الاقتصادية بشكل متساوٍ.
كما أن المشاريع تمثل نموذجًا للتعاون بين القطاع العام والخاص، وتفتح المجال أمام الشركات المحلية والعالمية للاستثمار في قطاع واعد، مع خلق فرص عمل وتطوير المهارات التقنية لدى الشباب السوري. ومن المتوقع أن يكون لهذه المشاريع أثر إيجابي مباشر على الاقتصاد الوطني، وزيادة قدرة سوريا على الانخراط في الاقتصاد الرقمي الإقليمي والدولي.