حادث أم اغتيال سياسي؟ من يقف وراء مصرع إبراهيم رئيسي؟

طهران– وكالة أنباء آسيا

2025.08.26 - 10:05
Facebook Share
طباعة

أعادت تصريحات محمد الصدر، أحد أبرز الوجوه الدبلوماسية الإيرانية المخضرمة وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام، الجدل من جديد حول حادث سقوط المروحية الذي أودى بحياة الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان في مايو/أيار 2024.

فبينما اتهم الصدر إسرائيل بشكل مباشر بالوقوف وراء الحادث، وذهب أبعد من ذلك بالحديث عن دور روسي محتمل في تسريب معلومات حساسة إلى تل أبيب، سارعت وزارة الخارجية الإيرانية إلى الرد مؤكدة أن تلك الادعاءات لا تستند إلى وقائع أو أدلة، وأن التحقيقات الرسمية تبقى المرجع الوحيد في تحديد أسباب الحادث.

 

المتحدث باسم وزارة الخارجية إسماعيل بقائي شدد على أن تصريحات الصدر تعبر عن "رأي شخصي" ولا تمثل الموقف الرسمي لطهران، موضحًا أن الاستنتاجات التي توصلت إليها اللجان الفنية المعنية بالحوادث الجوية استندت إلى "بحث فني واسع". وأكد بقائي أن التقرير الرسمي هو المعتمد لدى الدولة الإيرانية، مشيرًا إلى أنه "لا يمكن تأكيد الادعاءات أو التكهنات الأخرى".

أما بخصوص ما طرحه الصدر بشأن مزاعم نقل روسيا معلومات دفاعية حساسة إلى إسرائيل، فقد وصفه المتحدث باسم الخارجية بأنه "تحليل شخصي غير صحيح، ولا يقوم على أي معلومات موثقة".

 

محمد الصدر، الذي سبق أن شغل منصب نائب وزير الخارجية للشؤون العربية والأفريقية، ويملك تاريخًا طويلاً في السلك الدبلوماسي، قال إن سقوط المروحية التي كانت تقل الرئيس ووزير خارجيته لم يكن حادثًا عرضيًا، بل عملية مدبرة بعناية من قبل إسرائيل. وأشار إلى أن تل أبيب تركت "رسالة عملية واضحة" في موقع الحادث، مفادها أن استمرار إيران في سياساتها الإقليمية سيقابله تصعيد مماثل من جانب إسرائيل.

 

في 19 مايو/أيار 2024، تحطمت مروحية كانت تقل رئيسي ووفده الرسمي في محافظة أذربيجان الشرقية شمال غربي إيران، ما أدى إلى مصرع جميع من كانوا على متنها، بينهم وزير الخارجية وعدد من كبار المسؤولين. وخلصت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية إلى أن الحادث وقع نتيجة "ظروف جوية معقدة"، مؤكدة أنه لم يكن ناجمًا عن أي عمل عسكري أو تخريبي.

 

محمد الصدر ليس شخصية عابرة في المشهد الإيراني، فهو دبلوماسي مخضرم وعضو في مجمع تشخيص مصلحة النظام، وله جذور عائلية عميقة في المؤسسة الدينية والسياسية الإيرانية؛ فهو ابن شقيق الإمام موسى الصدر، الزعيم الشيعي البارز الذي اختفى في ليبيا عام 1978، كما أنه صهر ياسر الخميني حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني.

خلال مسيرته، شغل الصدر منصب نائب وزير الخارجية للشؤون العربية والأفريقية، كما عمل مستشارًا لوزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف، ما يجعله على اطلاع واسع بملفات السياسة الخارجية الحساسة، خصوصًا ما يتعلق بالعلاقات مع العالم العربي وإسرائيل.

تصريحاته الأخيرة تعكس ثِقَلًا سياسيًا ورمزية خاصة، ما جعلها محط جدل واسع داخل الأوساط السياسية والإعلامية الإيرانية.


تاريخ من الصراع الخفي

الاتهام المباشر لإسرائيل بالوقوف وراء مقتل رئيسي لا ينفصل عن سياق تاريخي طويل من الصراع بين الطرفين. فمنذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979 وقطع العلاقات الدبلوماسية بين طهران وتل أبيب، باتت إسرائيل تعتبر إيران تهديدًا استراتيجيًا لأمنها القومي، فيما تصنف طهران إسرائيل كـ"عدو وجودي".
شهدت العقود الماضية سلسلة من المواجهات غير المباشرة، أبرزها في ملفات البرنامج النووي الإيراني، وعمليات الاغتيال التي طالت علماء نوويين، إضافة إلى الحرب السيبرانية بين الطرفين، وتبادل الهجمات في الساحات الإقليمية كسوريا ولبنان.
في هذا السياق، تبدو تصريحات الصدر امتدادًا لهذا الصراع المفتوح، حيث يرى أن حادث تحطم المروحية ليس بعيدًا عن "حرب الظل" الدائرة بين البلدين.

بين الرواية الرسمية ونظرية الاغتيال

منذ وقوع الحادث، لم تتوقف التكهنات داخل إيران وخارجها بشأن وجود شبهة اغتيال، خصوصًا في ظل التوتر الإقليمي وتنامي الصراع غير المعلن بين طهران وتل أبيب. ومع أن السلطات الإيرانية أغلقت الملف رسميًا معتبرة الحادث "قضاءً وقدرًا"، فإن تصريحات شخصيات وازنة مثل محمد الصدر تعيد فتح الباب أمام قراءات بديلة، ما قد يزيد من الضغط الداخلي على الحكومة الإيرانية لتوضيح ملابسات القضية بشكل أكبر.

 

يرى سياسيون أن تصريحات محمد الصدر لا يمكن فصلها عن التوازنات السياسية الداخلية في إيران. فوفاة رئيسي المفاجئة، وهو الذي كان يُنظر إليه كأبرز مرشح لخلافة المرشد الأعلى، تركت فراغًا في معادلة السلطة. هذا الفراغ أطلق سباقًا مبكرًا بين التيارات المختلفة داخل النظام، من الحرس الثوري إلى المحافظين التقليديين والإصلاحيين، لإعادة ترتيب أوراقهم.

من هذا المنظور، قد تمثل اتهامات الصدر محاولة لطرح رواية موازية تعزز خطاب التشدد تجاه إسرائيل وتعيد إحياء نظرية "المؤامرة الخارجية" لتقوية التيار الذي ينتمي إليه في مواجهة منافسيه. وفي المقابل، فإن تمسك وزارة الخارجية بالرواية الرسمية يعكس رغبة الدولة في غلق باب التكهنات، والحفاظ على استقرار المشهد السياسي في مرحلة انتقالية دقيقة.

 

وفاة رئيسي شكلت صدمة سياسية في إيران، نظرًا إلى مكانته كرجل دولة كان يُنظر إليه كخليفة محتمل للمرشد الأعلى. وبينما تواصل السلطات تمسكها بالرواية الرسمية، فإن أصواتًا مثل محمد الصدر تواصل إحياء الشبهات، ما يعكس حجم الانقسام في الروايات، ويكشف أيضًا عن عمق التداخل بين السياسة الداخلية الإيرانية وصراعاتها الإقليمية والدولية.

 

الإعلام الإيراني بين التشكيك والتأييد

أثارت تصريحات محمد الصدر أيضًا انقسامًا واضحًا داخل المشهد الإعلامي الإيراني. الصحف ووسائل الإعلام المحسوبة على التيار المحافظ تعاملت مع ما قاله باعتباره "وجهة نظر شخصية" لا تستند إلى أدلة، مؤكدة على ضرورة الالتزام بالتقرير الرسمي الذي خلص إلى أن الحادث وقع نتيجة ظروف جوية صعبة. في المقابل، منحت بعض المنصات القريبة من التيار الإصلاحي مساحة أكبر لآراء الصدر، معتبرة أن فتح النقاش حول "شبهة الاغتيال" أمر مشروع في ظل تاريخ المواجهات مع إسرائيل، وأن تجاهل مثل هذه الاحتمالات قد يعني تفويت فرصة لفهم أعمق لما جرى. هذا التباين في التغطية الإعلامية يعكس بدوره الانقسام السياسي الأعمق داخل إيران بين من يسعى إلى إغلاق الملف حفاظًا على الاستقرار، ومن يرى في إعادة طرحه أداة لتعزيز موقعه في معادلة السلطة المقبلة.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 6