اليمين المتطرف وإشكالية الاحتلال

متابعات _ وكالة أنباء آسيا

2025.08.25 - 08:50
Facebook Share
طباعة

تشهد إسرائيل اليوم مرحلة مفصلية في تاريخها السياسي والعسكري، إذ تتقاطع الضغوط الداخلية مع التحديات الإقليمية والدولية في سياق حرب غزة الخامسة ونتائج الانتخابات الأخيرة للكنيست منذ وصول الحكومة الأكثر تطرفاً في ديسمبر 2022، ترافق صعود اليمين المتطرف مع جدل داخلي واسع حول الديمقراطية ودور المحكمة الدستورية العليا، ما أدى إلى انقسامات عميقة في المجتمع الإسرائيلي.

التوترات لم تقتصر على السياسة الداخلية، بل امتدت لتشمل الجيش، الاحتجاجات الشعبية، وعلاقات إسرائيل الإقليمية والدولية، ما يطرح تساؤلات كبيرة حول مستقبل الدولة ومصير القضية الفلسطينية، وفق رؤية عبير ياسين، خبيرة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بأن الانقسامات داخل الجيش والمجتمع الإسرائيلي تشكل أحد أبرز التحديات.
الاحتجاجات المتزايدة ضد الحرب والتعديلات القضائية، ومشاركة جنود الاحتياط، أبرزت المخاوف حول التماسك العسكري وقدرة إسرائيل على خوض حرب متعددة الجبهات. التناقضات في المواقف بين الحكومة والائتلاف من جهة، وعائلات الأسرى والرهائن من جهة أخرى، زادت من تعقيد المشهد. إعلان وزير الدفاع يسرائيل كاتس عن التصعيد في غزة بعد هدنة مؤقتة أثار مخاوف من التضحية بالأسرى مقابل تحقيق مكاسب سياسية، وهو ما ينعكس على استقرار المجتمع الإسرائيلي وثقة الجمهور في قيادته.

تعتمد الحكومة الإسرائيلية استراتيجية مزدوجة تجمع بين العمل العسكري والمفاوضات السياسية. رغم استعداد الجيش لاحتلال غزة، تسعى الحكومة للحفاظ على التفاوض مع حماس بهدف تحقيق هدنة وضمان إطلاق الرهائن.
هذه الاستراتيجية تهدف إلى الحفاظ على صورة إسرائيل أمام المجتمع الدولي، مع محاولة تقليل الاحتكاك بالقانون الدولي والضغط الأوروبي في الوقت ذاته، تعكس السياسة المزدوجة إدراك الحكومة أن الاعتماد على القوة العسكرية وحدها لا يكفي لتحقيق الأمن، وأن إدارة النزاع تتطلب موازنة دقيقة بين الضغوط العسكرية والسياسية.

خطة الاحتلال التي أقرها نتنياهو تواجه عدة عراقيل أولها اعتراض الجيش على الاحتلال الكامل خشية حدوث حرب استنزاف وسقوط عدد كبير من الجنود، إضافة إلى خطر على حياة الرهائن. ثانيًا، تشمل الخطة إخلاء السكان من مساحات واسعة دون خطة واضحة لتوزيع المساعدات الإنسانية، ما يفاقم أزمة القطاع. ثالثًا، تمتد الفترة المتوقعة للاحتلال خمسة أشهر، متزامنة مع اجتماع الأمم المتحدة السنوي وزيادة الضغوط الأوروبية للاعتراف بالدولة الفلسطينية. هذه العوامل تجعل تنفيذ الخطة تحدياً معقداً، مع احتمال توقف العمليات جزئياً لتخفيف الضغوط الداخلية والخارجية.

تستمر محاكمات نتنياهو في ظل اتهامات بالفساد وخيانة الأمانة، ما يضيف طبقة إضافية من الضغوط على الحكومة. التغييرات في المناصب الأمنية والقضائية أثارت مخاوف من غلبة المصالح السياسية على المصالح الوطنية، ما ينعكس على قرارات الحرب والسلام. هذا الواقع يزيد من صعوبة إدارة الاستراتيجية العسكرية والسياسية بشكل متوازن، ويطرح تساؤلات حول استقلالية الجيش ومؤسسات الدولة في مواجهة تأثير الائتلاف الحاكم.

تتزامن التحديات الداخلية مع الأزمات الإنسانية في غزة، حيث أدى استمرار الحرب إلى زيادة معاناة المدنيين وارتفاع عدد الأسرى والضحايا. كما تؤثر العمليات العسكرية على الضفة الغربية، من خلال خطط الاستيطان وملاحقة المقاومة الفلسطينية. هذه التطورات تسلط الضوء على التناقض بين المواقف الداخلية المتشددة، ومطالب المجتمع الدولي بالحد من الانتهاكات واحترام القانون الدولي وحقوق الإنسان، ما يجعل إدارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أكثر تعقيدًا.

رغم التصعيد، تظهر مؤشرات على إمكانية قبول حماس بعقد هدنة مؤقتة مقابل إطلاق الرهائن، وهو ما يمنح الحكومة الإسرائيلية فرصة لتخفيف الضغوط الداخلية والخارجية. هذا السيناريو يسمح لنتنياهو بالمزج بين القوة والسياسة، مؤكداً أن الضغط العسكري كان شرطاً لتقديم حوافز التفاوض، وفي الوقت نفسه يقلل من التوتر مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
نجاح هذا التوازن يعتمد على قدرة إسرائيل على إدارة الخلافات الداخلية، وضمان استمرار السيطرة على الأرض دون الانزلاق في صراع طويل يكلفها مزيداً من الخسائر السياسية والعسكرية.

تواجه إسرائيل معضلة مركبة تتمثل في التوازن بين الحرب والسياسة، الضغوط الداخلية والخارجية، والأمن الوطني مقابل الضغوط الإنسانية والقانونية.
حكومة نتنياهو، الأكثر تطرفاً في تاريخ الدولة، تحاول إدارة هذه التحديات من خلال سياسة مزدوجة تجمع القوة العسكرية والتفاوض السياسي. مدى نجاح هذه الاستراتيجية يرتبط بقدرة إسرائيل على التكيف مع تغير موازين القوى الداخلية، وضغوط المجتمع الدولي، واستجابة حماس للضغط العسكري، مع الحفاظ على استقرار الدولة ومصالحها الإقليمية. يشير هذا التحليل إلى أن إسرائيل تواجه مفترق طرق حقيقي، حيث تصبح كل خطوة عسكرية أو سياسية محكومة بالمخاطر الداخلية والخارجية. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 7