في مشهد متكرر بات يثير قلق الأهالي ويزيد من حالة التوتر في جنوب سوريا، أقدمت قوات إسرائيلية مدججة بالسلاح على تنفيذ سلسلة من التوغلات العسكرية داخل الأراضي السورية، كان أبرزها دخول قوة مؤلفة من نحو مئة عنصر إلى بلدة بيت جن ومحيطها بريف دمشق الغربي.
حيث انتشرت القوات الإسرائيلية بشكل مفاجئ، وأطلقت النار باتجاه الأهالي الذين حاولوا التعبير عن رفضهم للوجود العسكري الأجنبي بأسلوب سلمي. ورغم أن إطلاق النار لم يسفر عن خسائر بشرية، إلا أن دلالاته خطيرة، إذ يؤكد أن المدنيين باتوا في مرمى الاستهداف المباشر.
ادعاءات أمنية وواقع مختلف
الجيش الإسرائيلي برر تحركاته بأنها تأتي في إطار البحث عن "مخربين"، إلا أن الوقائع على الأرض تكشف أن الهدف الحقيقي يتجاوز هذه الادعاءات. فوجود مئات الجنود داخل أراضٍ سورية مأهولة لا يمكن وصفه إلا باعتداء واضح على السيادة وترويع للأهالي الآمنين. ومن المؤسف أن مثل هذه التحركات تُسوّق باعتبارها عمليات "استباقية"، بينما هي عمليًا توسع في دائرة النفوذ وفرض وقائع جديدة على الأرض.
اعتقالات ومداهمات
خلال العملية، اعتقلت القوات الإسرائيلية ستة مواطنين من سكان المنطقة، في خطوة اعتبرها الأهالي تعسفية وغير مبررة. الاعتقالات لم تقتصر على ريف دمشق، إذ سبقها بيوم واحد توغل في قرية عين العبد بريف القنيطرة، حيث دخلت القوات إلى مواقع عسكرية سورية قديمة ونفذت عمليات تفتيش قبل انسحابها.
وفي مناطق أخرى، مثل تل أحمر الشرقي ومنشية سويسة، طالت المداهمات منازل المدنيين بذريعة البحث عن أسلحة أو مطلوبين، ما أثار حالة من الخوف بين العائلات التي رأت بيوتها تُفتش دون أي مسوغ قانوني. هذا السلوك يعكس سياسة باتت مألوفة: الدخول المفاجئ، اعتقالات عشوائية، وتفتيش منازل، ثم انسحاب سريع يترك وراءه شعورًا بالقلق والغضب.
تزايد الوتيرة
الملاحظ أن وتيرة هذه التوغلات ارتفعت بشكل ملحوظ في الأسابيع الأخيرة، سواء في ريف دمشق أو القنيطرة ودرعا. ففي بلدة عابدين بمنطقة حوض اليرموك، دخلت قوة إسرائيلية مؤلفة من ثماني آليات، واعتقلت ثلاثة شبان قبل أن تطلق سراحهم لاحقًا. مثل هذه الأحداث باتت تتكرر بوتيرة شبه يومية، ما ينذر بمزيد من التصعيد.
البعد الاستراتيجي
لا يمكن النظر إلى هذه التحركات بمعزل عن السياق الأوسع للسياسات الإسرائيلية في الجنوب السوري. فبينما تعلن تل أبيب أن عملياتها تهدف إلى منع تهريب الأسلحة أو إحباط نشاط مجموعات معادية، إلا أن التوسع المستمر في نطاق المداهمات يشير إلى محاولة فرض معادلة جديدة قائمة على الردع الميداني المباشر.
من الواضح أن إسرائيل تسعى لترسيخ وجود أمني وعسكري يضمن لها تفوقًا استراتيجيًا على الحدود، حتى لو كان ذلك على حساب استقرار القرى السورية وسلامة سكانها. ورغم أن هذه السياسة تقدمها تل أبيب كضرورة لحماية أمنها، إلا أنها عمليًا تعمّق حالة عدم الاستقرار، وتفتح الباب أمام توترات دائمة لا يستفيد منها سوى منطق القوة.
انعكاسات على المدنيين
الأهالي في المناطق التي شهدت التوغلات الأخيرة عبّروا عن قلقهم من تكرار هذه الاعتداءات، إذ يشعرون أنهم باتوا بين فكي كماشة: من جهة غياب الحماية الفعلية، ومن جهة أخرى وجود قوات أجنبية تدخل قراهم متى تشاء وتفرض أوامرها. ومع أن بعضهم حاول الاعتراض سلميًا، إلا أن الرد جاء بإطلاق نار، وهو مؤشر خطير على أن حياة المدنيين قد تكون مهددة في أي لحظة.
قد تدّعي إسرائيل أن هذه التوغلات ضرورة أمنية، لكن المنطق البسيط يفرض تساؤلًا: هل يعقل أن يُحفظ أمن حدود دولة عبر إدخال الرعب إلى قلوب المدنيين في بلد مجاور؟ أليس في ذلك تناقض صارخ مع ادعاءات الديمقراطية وحقوق الإنسان التي ترفعها تل أبيب في المحافل الدولية؟
النقد هنا ليس على مبدأ الدفاع عن النفس، بل على الأسلوب المفرط الذي يطال حياة أبرياء لا علاقة لهم بالنزاعات العسكرية. فبدلًا من أن تكون هذه السياسات عاملًا للردع، كما يظن الاسرائيلي، تتحول عمليًا إلى وقود لمزيد من الغضب وعدم الاستقرار.
سيناريوهات قادمة
مع استمرار هذا النهج، من المتوقع أن تبقى المنطقة عرضة لمزيد من التوترات. فكل عملية توغل جديدة تحمل في طياتها احتمالية الصدام، سواء مع مجموعات محلية أو مع المدنيين الذين قد يفقدون صبرهم مع تكرار الانتهاكات.
من جهة أخرى، فإن استمرار إسرائيل في هذه السياسة قد يضعها في مواجهة انتقادات دولية متزايدة، خاصة إذا ما تحولت الاعتداءات إلى نمط واسع النطاق يتجاوز حدود "المداهمات المحدودة".