خطوة مقابل خطوة: هل ينجح لبنان في إقناع إسرائيل بالانسحاب؟

وكالة أنباء آسيا

2025.08.25 - 01:06
Facebook Share
طباعة

أثار بيان مكتب رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، بشأن تقديره لقرار الحكومة اللبنانية حصر السلاح، ضجة سياسية وتحليلية واسعة، لما يحمله من مؤشرات على تغيير محتمل في المعادلة الأمنية بين البلدين. الإعلان الإسرائيلي عن استعداد الجيش الإسرائيلي للانسحاب التدريجي من لبنان في حال نجاح خطة نزع سلاح حزب الله، يفتح الباب أمام قراءة معمقة للسياسات الإسرائيلية واللبنانية، بالإضافة إلى الدور الأمريكي الوسيط في هذا الملف الحساس.

 


في الأسابيع الأخيرة، شهد لبنان سلسلة من الخطوات الرسمية للحد من انتشار السلاح غير النظامي، مع التركيز على سلاح حزب الله. القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء اللبناني، بقيادة الرئيس ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب سلام، يقضي بالعمل على نزع سلاح حزب الله بحلول نهاية عام 2025، وهو موعد حددته الحكومة للتقييم النهائي لهذا الملف.

هذا القرار يأتي في ظل ضغوط دولية وإقليمية، خاصة من الولايات المتحدة، التي تواصل الضغط على لبنان للحد من تأثير الجماعات المسلحة داخل أراضيه، بما في ذلك حزب الله. الخطة اللبنانية اعتمدت على مبدأ "خطوة مقابل خطوة"، إذ يشترط لبنان توقف العدوان الإسرائيلي والانسحاب من النقاط الخمس التي يتواجد فيها الجيش الإسرائيلي داخل أراضيه قبل تنفيذ أي خطوات ملموسة لنزع السلاح.

 


الموقف الإسرائيلي: تقدير مقابل شرط

بيان مكتب نتنياهو جاء حاملاً رسالة مزدوجة: تقدير للخطوة اللبنانية، وفي الوقت نفسه وضع شرط واضح للانسحاب. نص البيان على أن إسرائيل "تقدر الخطوة المهمة التي اتخذتها الحكومة اللبنانية" واعتبرها "قرارًا هامًا".

لكن البيان لم يكتف بالثناء، بل وضع شرطًا مرتبطًا بسلوك الجيش اللبناني: "إذا اتخذت قوات الأمن اللبنانية خطوات لنزع سلاح حزب الله، فستتخذ إسرائيل خطوات مماثلة، بما في ذلك تقليص تدريجي لوجود جيش الدفاع الإسرائيلي بالتنسيق مع الولايات المتحدة".

هذا الموقف يعكس استراتيجية إسرائيلية مزدوجة:

1. الاعتراف بالدور الرسمي للبنان: تعزيز التواصل مع الحكومة اللبنانية الرسمية مقابل حزب الله.


2. ربط أي تقدم بالمعايير الأمنية الإسرائيلية: انسحاب جزئي أو كامل للجيش الإسرائيلي لن يتم إلا عند تحقق نتائج ملموسة على الأرض.

 

وسائل الإعلام العبرية وصفت البيان بأنه "بيان دعم استثنائي" للبنان، وهو تقييم غير مسبوق يعكس أهمية المرحلة الراهنة في المفاوضات الإقليمية.

 


الدور الأمريكي والوساطة

المبعوث الأمريكي لتسوية الملف السوري، توم باراك، لعب دورًا محوريًا في هذا التطور. فقد التقى نتنياهو الأحد، في خطوة اعتبرت من قبل المراقبين الإسرائيليين والأمريكيين محاولة لتقريب وجهات النظر حول الترتيبات الأمنية بين إسرائيل ولبنان وسوريا.

باراك، الذي زار لبنان برفقة نائبة المبعوث الأمريكي مورغان أورتاغوس، أجرى محادثات موسعة مع المسؤولين اللبنانيين، وأكد أن لبنان "تقدم بخطوة إلى الأمام" بعد إعلان الحكومة عن حصر السلاح.

التقييم الأمريكي للموقف يعتمد على عنصرين رئيسيين:

1. الحد من قدرة حزب الله على تهديد الأمن الإسرائيلي: وهو مطلب استراتيجي قديم.


2. الالتزام اللبناني الرسمي بالسيادة وأحكام الدولة: مما يفتح الباب لمزيد من الدعم الدولي، سواء اقتصاديًا أو أمنيًا، للبنان.

 

 

التحليل الأمني: خطوة استراتيجية أم مناورة؟

إسرائيل، من خلال بيان نتنياهو، تبدو حذرة لكنها متفائلة بإمكانية تحقيق تقدم ملموس في لبنان، وهو ما قد يفتح مرحلة جديدة في الصراع الممتد منذ عقود. انسحاب الجيش الإسرائيلي التدريجي، إذا تحقق، سيعني:

تقليص نقاط الاحتكاك المباشر مع الجيش اللبناني، خاصة في مناطق الحدود الجنوبية.

احتمال إعادة انتشار القوات الإسرائيلية بشكل يركز على الدفاع الاستراتيجي دون التدخل المباشر في الأراضي اللبنانية.

تعزيز مكانة الحكومة اللبنانية رسميًا على حساب حزب الله، وتقليل نفوذ الميليشيات المسلحة على القرار السياسي.


في المقابل، يعتمد نجاح هذه الخطوة على قدرة لبنان على تطبيق خطة "خطوة مقابل خطوة"، بما يشمل وقف أي اعتداءات إسرائيلية والالتزام بنزع سلاح حزب الله عمليًا، وهو ما سيظل محل متابعة دقيقة من قبل تل أبيب وواشنطن.

 


التداعيات الإقليمية

تطور الملف اللبناني-الإسرائيلي يحمل أبعادًا إقليمية:

لبنان داخليًا: أي تقدم في نزع سلاح حزب الله قد يزيد الانقسام السياسي، إذ يُنظر لحزب الله كقوة مسلحة نافذة داخل الدولة.

على صعيد سوريا: التنسيق الأمريكي الإسرائيلي اللبناني له انعكاس مباشر على ترتيبات الأمن على الحدود السورية اللبنانية، خصوصًا مع وجود الجماعات المسلحة الأخرى.

دول الخليج: تقدير إسرائيل للخطوة اللبنانية قد يعزز فرص التعاون الأمني، وربما تسريع الدعم الاقتصادي والسياسي للبنان، في ظل ضغط دولي متزايد.

 

 

تصريحات نتنياهو الأخيرة تعكس تحولًا دقيقًا في السياسة الإسرائيلية تجاه لبنان، حيث تمزج بين التقدير الرسمي والتحذير المشروط. مع الوساطة الأمريكية الفاعلة، يبدو أن المفاوضات قد تدخل مرحلة جديدة، قد تشهد انسحابًا جزئيًا أو تدريجيًا للجيش الإسرائيلي، شريطة التزام لبنان بخطوات ملموسة نحو نزع سلاح حزب الله.

يبقى السؤال الرئيس: هل ستحقق الخطة اللبنانية نجاحًا عمليًا على الأرض، أم أن التعقيدات السياسية الداخلية والإقليمية ستظل عائقًا أمام التنفيذ؟ كل المؤشرات الحالية تؤكد أن المرحلة المقبلة ستكون حاسمة في رسم مستقبل العلاقات الإسرائيلية-اللبنانية والأمن الإقليمي بأسره.


 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 9