دمشق وتل أبيب على طاولة الأمن: صفقة أم رهان مؤقت؟

أماني إبراهيم - وكالة أنباء آسيا

2025.08.25 - 07:38
Facebook Share
طباعة

التصريحات الأخيرة للرئيس السوري أحمد الشريعة حول "ارتفاع فرص التوصل إلى اتفاق أمني مع إسرائيل" لم تأتِ من فراغ. فهي تمثل انعكاسًا لتغير المزاج السياسي في دمشق، التي عاشت عقودًا من القطيعة الرسمية والصدام المباشر وغير المباشر مع تل أبيب. الحديث عن "مرحلة متقدمة" من المفاوضات الأمنية يعني أن مسارًا غير معلن كان يجري منذ فترة، ربما عبر وساطات إقليمية ودولية. هذا الانفتاح المحتمل يفتح الباب أمام سيناريوهات جديدة في خريطة الصراع: فهل تتجه سوريا إلى إعادة التموضع الاستراتيجي، خاصة في ظل علاقتها المعقدة مع إيران وروسيا؟ أم أن هذه التصريحات مجرد ورقة تفاوضية لتحسين موقع دمشق في معادلات ما بعد الحرب على غزة؟

لقاء باريس أول جسور التفاهم

في خطوة وُصفت بأنها الأكثر علنية منذ عقود، عُقد في العاصمة الفرنسية باريس لقاء بين وزير الخارجية السوري ومسؤولين إسرائيليين، بحضور ورعاية دبلوماسية أمريكية. هذا اللقاء لم يكن مجرد اجتماع بروتوكولي، بل جزء من مسار تفاوضي متعدد القنوات يجري منذ أسابيع، ويهدف إلى وضع أسس "اتفاق أمني" بين سوريا وإسرائيل، بعيدًا عن أي إعلان رسمي للتطبيع.

المصادر الإسرائيلية كشفت أن وزير الخارجية السوري اجتمع مع وفد دبلوماسي إسرائيلي في باريس، في لقاء رعته قنوات أوروبية وأمريكية. هذا الاجتماع حمل رمزية كبيرة، ليس فقط لأنه كشف لأول مرة عن قناة تواصل رسمية بين الطرفين منذ سنوات طويلة، وإنما لأنه انعقد في عاصمة أوروبية محايدة، بعيدًا عن ضغوط الجغرافيا والاصطفافات الإقليمية.

في هذا اللقاء، ركز الجانب السوري على مطلب واضح يتعلق بوقف التدخلات الإسرائيلية في العمق السوري، خاصة الغارات التي استهدفت مواقع مرتبطة بإيران. بينما ركز الوفد الإسرائيلي على ضمانات أمنية تخص تموضع القوات الإيرانية والميليشيات في الجنوب السوري، مع التأكيد على أن الأراضي السورية لا تتحول إلى منصة تهديد لحدود الجولان.

رعاية غير معلنة

لم يكن اللقاء بعيدًا عن الدور الأمريكي المباشر. فواشنطن تنظر إلى هذه المفاوضات كجزء من رؤيتها لإعادة تشكيل التوازنات بعد حرب غزة، عبر احتواء تمدد إيران في سوريا. باريس بدورها كانت خيارًا مثاليًا، فهي تمثل أرضية دبلوماسية مرنة، وتاريخيًا لعبت دورًا نشطًا في الملف السوري–اللبناني، ما جعلها مقبولة لكلا الطرفين. الغرب يرى في هذا المسار فرصة لتقليل مخاطر التصعيد، وربما فتح الباب أمام إدماج سوريا في معادلات جديدة، شرط أن يقترن ذلك بتقليص الوجود الإيراني.

دمشق بين الضغوط والتحولات

قبول دمشق بفتح قناة حوار في باريس يعكس إدراك النظام السوري لتغير الظروف. فبعد سنوات من الحرب الداخلية، يحتاج النظام إلى استعادة الاعتراف الخارجي والتخفيف من القبضة الإيرانية، التي تحولت إلى شريك مفروض أكثر من كونه حليفًا اختياريًا. الانفتاح على إسرائيل – حتى في صيغة تفاهم أمني محدود – قد يكون وسيلة لطلب دعم اقتصادي أو سياسي من الغرب، مقابل تقديم تنازلات تتعلق بالوجود الإيراني، مع إبقاء ورقة المقاومة كورقة مناورة بيد دمشق عند الحاجة.

إسرائيل وحسابات الربح والخسارة

إسرائيل تنظر إلى اللقاء في باريس كفرصة لتقليص النفوذ الإيراني في الجنوب السوري وتثبيت خطوط تهدئة في الجولان. لكنها في الوقت نفسه تدرك أن أي اتفاق مع دمشق سيمنح النظام السوري شرعية جديدة في وقت ما زال المجتمع الدولي منقسمًا حوله. لذلك تميل تل أبيب إلى صياغة تفاهمات محدودة، تركز على الملف الأمني دون الوصول إلى مستوى التطبيع الكامل، بما يحقق مكاسب استراتيجية عاجلة من دون تقديم تنازلات سياسية كبيرة.

اتفاق أمني أم مناورة سياسية؟

اللقاء الباريسي يفتح نافذة جديدة في مسار الصراع، لكنه يطرح تساؤلات جدية: هل نحن أمام بداية مسار تفاوضي يمكن أن يقود إلى تفاهمات أمنية غير مسبوقة؟ أم أن ما جرى في باريس مجرد مناورة من دمشق للضغط على طهران وكسب أوراق تفاوضية مع الغرب؟ الإجابة ستتوقف على قدرة الطرفين على تحويل هذا اللقاء من رسالة سياسية إلى خطوات عملية، وعلى استعداد سوريا لتقليص نفوذ إيران، مقابل استعداد إسرائيل لمنح النظام السوري مساحة جديدة من الشرعية. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 8