مياه شحيحة وتفاح صامد في لبنان

2025.08.24 - 10:21
Facebook Share
طباعة

 في لبنان، حيث تتفاقم الأزمات الاقتصادية والسياسية، يبقى موسم التفاح اختبارًا حقيقيًا لصمود القطاع الزراعي، وسط أزمة مائية غير مسبوقة تهدد الزراعة والحياة اليومية. يواجه المزارعون شحًا حادًا في المياه لريّ محاصيلهم، بينما تتفاقم التحديات بسبب سوء إدارة الموارد والمياه الملوثة، ما يجعل المياه النظيفة سلعة نادرة في بلد كان يتمتع بثروة مائية كبيرة.

رئيس تجمّع المزارعين في البقاع، إبراهيم الترشيشي، أكد أن شح الأمطار هذا العام أثر بشكل واضح على مستوى المياه في الينابيع والأنهار والآبار الارتوازية، وأدى إلى اعتماد المواطنين والمزارعين على الصهاريج لتأمين حاجاتهم. وقال الترشيشي: "جزء كبير من مياه الأمطار كان يصب في البحر بدل الاستفادة منه في الري وتوليد الكهرباء، وهدرنا ثروتنا الطبيعية".

المشكلة تتعدى نقص المياه إلى تهديد صحة الإنسان والبيئة، مع استخدام واسع للمياه الملوثة وغياب الرقابة. وتشير تقديرات الخبراء إلى وجود أكثر من 130 ألف بئر ارتوازية تُستخدم للتخلص من مياه الصرف الصحي، وأكثر من 7 آلاف مصدر تلوث تصب في نهر الليطاني وحده، ما يزيد من تعقيد أزمة المياه في مختلف المناطق اللبنانية.

الأزمة المائية انعكست بشكل مباشر على الزراعة، أحد أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد. رغم ذلك، يصرّ المزارعون على الاستمرار في زراعة التفاح، الذي يعتبر من المنتجات القليلة التي ما زالت تُثمر. رئيس الاتحاد الوطني للفلاحين، إبراهيم ترشيشي، قال إن موسم التفاح لهذا العام مقبول نسبيًا، وإن الأسعار مشجعة بسبب تراجع الكميات المحلية والعالمية المتوفرة.

تأثرت جودة الإنتاج بموجة الحر التي ضربت لبنان، حيث تجاوزت درجات الحرارة 45 درجة مئوية، ما أثر على حجم وجودة التفاح. ومع ذلك، يبقى التفاح اللبناني متميّزًا بفضل الفارق الكبير بين حرارة النهار والليل، ما يمنحه لونًا ونكهة مميزة، خصوصًا الأصناف الحمراء الداكنة.

على صعيد السوق المحلي، واجه المزارعون تحديات إضافية بسبب المضاربات واستيراد التفاح الأجنبي بطرق غير قانونية، لكن وزارة الزراعة أعلنت أنها ستوقف منح إجازات الاستيراد لحماية المنتج المحلي، ما يعد خطوة إيجابية لضمان استقرار السوق. أما التصدير، فيظل قطاعًا حيويًا للبنان، حيث يُصدر نحو 100 ألف طن من التفاح سنويًا، خصوصًا إلى السوق المصري الذي يُعد من أبرز الوجهات.

الترشيشي أشار إلى أن المزارعين أدخلوا أصنافًا محسنة من التفاح لتحسين الجودة، لكن الدعم الحكومي محدود بسبب الأزمة المالية للدولة. لو كانت الدولة في وضع أفضل، كان بالإمكان دعم المزارعين والمصدرين عبر المشاركة في المعارض الدولية، وإعادة تفعيل دعم التصدير، وفتح قنوات تفاوض مع الدول المستوردة لتسهيل عمليات التصدير وتعزيز مكانة التفاح اللبناني عالميًا.

من الواضح أن الحل للأزمة المائية لا يقتصر على الري الزراعي فحسب، بل يحتاج إلى خطة وطنية شاملة تشمل إدارة مستدامة للموارد المائية، إصلاح البنية التحتية، بناء السدود والبرك، وتطوير تقنيات الري الحديثة. بدون تدخل عاجل، قد تتحول أزمة المياه إلى كارثة وجودية تهدد الأمن الغذائي والاقتصادي للبنان.

رغم كل هذه التحديات، يبقى التفاح رمزًا للصمود اللبناني: بين أيادٍ تصارع الطبيعة، السوق، والدولة الغائبة، تنضج الحبة الحمراء لتذكّر بأن الأرض اللبنانية ما زالت تنتج، وأن هناك ما يستحق الزراعة والبقاء في هذا البلد الصغير الغني بطبيعته، رغم إهمال السلطة وغياب السياسات المستدامة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 8