ترسيم الحدود اللبنانية-السورية: صمت سوري محير

2025.08.24 - 10:17
Facebook Share
طباعة

 عاد ملف ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا إلى الواجهة بعد سنوات من التهميش، ليس من زاوية النزاعات التاريخية فحسب، بل بسبب الضغوط الأمنية المتزايدة على جانبي الحدود. فبعد تسجيل حوادث أمنية متكررة واشتباكات بين مسلحين، إضافةً إلى عمليات تهريب منظمة للسلع والممنوعات، عادت بيروت لتضغط نحو تحصين الحدود ومنع أي تسرب لعناصر من تنظيمات إرهابية أو عصابات مسلحة.

الورقة الأميركية الجديدة، التي أعدّها الموفد الرئاسي الأميركي توم براك، أعادت طرح الملف بين بيروت ودمشق، لكنها لم تلقَ حتى الآن رداً رسمياً من الجانب السوري. مصادر ديبلوماسية مطلعة أكدت أن التواصل المباشر بين الطرفين لم يتحقق بعد، وأن لبنان ينتظر رد دمشق على الورقة التي أقرتها الحكومة اللبنانية قبل نحو أسبوعين.

 

الترسيم بين الواقع السياسي والتاريخ

يمتد الخط الحدودي بين لبنان وسوريا على نحو 360 كيلومتراً، وتتداخل فيه المناطق على مسافة تصل إلى 50 كيلومتراً، ما يجعل ترسيمه مسألة معقدة تتطلب دراسة دقيقة للخرائط التاريخية وملكية الأراضي، خصوصاً في القرى المتداخلة التي يعيش بعض سكانها في سوريا والباقي في لبنان.

ورغم أن لبنان بدأ رسمياً بطرح ملف الترسيم منذ عام 2010، إلا أن محاولات تلك الفترة باءت بالفشل نتيجة الاعتبارات السياسية والأمنية في تلك المرحلة. اليوم، يضاف إلى التعقيدات القديمة المستجدات الأمنية والتهريبية، ما يجعل من عملية الترسيم تحدياً عملياً أكثر منه نظرياً.

خبراء عسكريون يؤكدون أن التنفيذ يتطلب خطوات ميدانية واضحة وغطاء سياسياً قوياً، لتأمين الاستقرار على جانبي الحدود أولاً، ووقف عمليات التهريب ثانياً، وإغلاق ملف النزاع الحدودي الذي يعود إلى العام 1943 ثالثاً.

 

الدور الفرنسي والسعودي والأميركي

المصادر الديبلوماسية تشير إلى أن الملف لم يعد محلياً فقط، بل يتداخل فيه الدور الفرنسي والسعودي إلى جانب الدور الأميركي. فرنسا، بحسب المصادر، تمتلك الوثائق التاريخية المتعلقة بالحدود وتنسق مع لبنان وسوريا لدراسة الخرائط وتحديد ملكية الأراضي المتداخلة، وهو ما يسهّل المفاوضات الفنية. أما السعودية، فدورها يرتبط بدعم العملية الدبلوماسية على صعيد التسويات الإقليمية والضغوط السياسية، بينما ينسق الجانب الأميركي لتوفير إطار شامل لإنجاح الترسيم.

الخطوات التنفيذية المحتملة، بحسب خبراء، تبدأ بتشكيل لجان فنية مشتركة بين لبنان وسوريا، تعنى بحل الإشكالات التقنية ودراسة الوثائق التاريخية، لتحديد الخطوط الفاصلة بوضوح قبل الانتقال إلى التنفيذ الميداني.

 

الأهمية الاستراتيجية للترسيم

تؤكد المصادر أن ملف الترسيم يحمل أهمية بالغة على صعيد الأمن والاستقرار، إذ يرتبط مباشرة بتطبيق القرار 1701 واتفاق وقف النار، ويؤثر على ملفات حساسة أخرى مثل وجود النازحين السوريين في لبنان، وحركة التهريب، والتعاون الأمني والاقتصادي بين البلدين.

كما يعتبر الترسيم خطوة أساسية لتطبيع العلاقات الثنائية، وفتح صفحة جديدة من التعاون السياسي والاقتصادي والأمني، وهو ما يفسّر الاهتمام الأميركي والفرنسي والسعودي بإنجاح العملية.

 

 بين الصمت السوري والفرص اللبنانية

الصمت السوري حتى الآن يثير التساؤلات حول الإرادة السياسية لتنفيذ الترسيم، ويترك المجال مفتوحاً لسيناريوهات متعددة، من التباطؤ في المفاوضات إلى اعتماد خطوات جزئية قبل الاتفاق النهائي. في المقابل، يبدو لبنان مصمماً على تحريك الملف بسرعة، مدفوعاً بالضغوط الأمنية المحلية والحاجة إلى ضبط الحدود لمنع أي تسرب عناصر مسلحة أو عصابات تهريب.

إذا نجحت المفاوضات، فإن الترسيم سيكون محطة مهمة لإعادة رسم العلاقات بين لبنان وسوريا على أسس أكثر وضوحاً واستقراراً، وقد يفتح الباب لتسوية ملفات عالقة منذ عقود. أما الفشل أو التأجيل، فسيبقي المنطقة على حال من التوتر وعدم اليقين، ويزيد من تعقيد إدارة الحدود والمخاطر الأمنية على الجانبين.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 3