منذ عقود ظلّ ملف السلاح داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان واحداً من أعقد الملفات وأكثرها حساسية، إذ يتقاطع فيه الأمن المحلي بالسياسة الإقليمية، وتتصارع على تفاصيله حسابات داخلية لبنانية مع اعتبارات فلسطينية. ومع التطورات الأخيرة في مخيم برج البراجنة، عاد هذا الملف إلى الواجهة مجدداً، لكن من دون أن تلوح حلول حقيقية حتى الآن.
تسليم أسلحة.. خطوة رمزية لا أكثر
الأسبوع الماضي شهد المخيم عملية تسليم محدودة لبعض الأسلحة التي دخلت إليه مؤخراً، وبدت الخطوة أقرب إلى إشارة سياسية منها إلى اتفاق شامل. مصادر متابعة تقول إن الإجراءات المرتبطة بآلية التسليم "غير دقيقة"، والمهل الزمنية الموضوعة "غير واضحة"، ما يعني أن ما جرى لم يتجاوز إطار التهدئة الموضعية من دون مسار عملي متماسك.
شادي الفار.. قضية تفتح ملفات جانبية
اسم القيادي الفلسطيني السابق شادي الفار ارتبط بملف برج البراجنة بعد توقيفه على خلفية التحقيق في إدخال أسلحة إلى المخيم. غير أن المصادر تؤكد أن التحقيقات تتجاوز هذه القضية، وتشمل شبهات حول صلاته باشتباكات مرتبطة بتجارة المخدرات التي اندلعت في المخيم خلال الأشهر الأخيرة.
وبحسب المعطيات، فإن احتمال إخلاء سبيل الفار قائم، إلا أن عودته للحصول على غطاء سياسي أو تنظيمي من حركة "فتح" غير واردة، خصوصاً بعد التغييرات البنيوية التي أجرتها الحركة على صعيدها القيادي والعسكري، والتي وضعت حداً لمثل هذه الحالات.
"حماس" في قلب النقاش
لكن السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه اليوم يتعلّق بموقف حركة "حماس" من سلاحها داخل المخيمات. فبينما تمضي بعض الفصائل في مسار التفاوض أو التسليم الجزئي، لم تُبدِ "حماس" موقفاً علنياً حاسماً. هذا الغموض يثير تساؤلات حول ما إذا كانت الحركة ستوافق على تسليم سلاحها في المستقبل القريب، أم أنها ستتمسك به في إطار موازنة القوى داخل المخيمات.
مراقبون يشيرون إلى وجود "تذبذب" في العلاقة بين "حماس" و"فتح"، وهو ما يجعل إدارة ملف السلاح أكثر تعقيداً. فالتنافس السياسي بين الحركتين ينعكس مباشرة على الأرض في المخيمات، حيث يمكن لأي توتر أن يتحول سريعاً إلى اشتباكات داخلية.
خطر الشرخ الفلسطيني – الفلسطيني
المصادر المواكبة للملف تحذر من أن بقاء "فتح" متمسكة بسلاحها مقابل احتفاظ "حماس" بسلاحها سيكرّس شرخاً داخل الساحة الفلسطينية في لبنان. وهذا الوضع قد يفتح الباب أمام صدامات جديدة، خصوصاً إذا ما تصاعد التوتر بين المؤيدين من قواعد الحركتين بعيداً عن الانضباط القيادي الرسمي.
لذلك، ثمة دعوات متكررة إلى حوار فلسطيني – فلسطيني داخلي يسبق أي حوار مع السلطات اللبنانية، بحيث يتم التوصل إلى صيغة تخفف من احتمالات الانفجار وتضمن استقرار المخيمات التي تُعدّ مناطق حساسة أمنياً واجتماعياً.
معادلة لبنانية دقيقة
من الجانب اللبناني، تبدو الدولة حذرة في مقاربة الملف. فالمخيمات تخضع لاتفاق ضمني قديم يمنع دخول الأجهزة الأمنية إليها بشكل مباشر، وهو ما يجعل التعامل مع السلاح معقّداً ويعتمد أساساً على التفاهمات مع الفصائل الفلسطينية. ومع ذلك، تشير المعطيات إلى أن بيروت تسعى إلى ضبط هذا الملف بشكل أكثر صرامة، في ظل مخاوف من أن يتحول أي انفجار أمني داخل المخيمات إلى أزمة أوسع تطال العاصمة نفسها.
ما بعد برج البراجنة
في المحصلة، يبدو أن ما جرى في برج البراجنة لم يكن سوى بداية في طريق طويل ومعقد. فالسلاح ما زال موجوداً، والفصائل ما زالت مترددة، والسلطات اللبنانية لم تضع بعد خطة واضحة قابلة للتطبيق. وفي غياب اتفاق شامل وملزم، يبقى المشهد مفتوحاً على سيناريوهات عديدة، من التهدئة المؤقتة إلى احتمالات التصعيد المفاجئ.
الوقت وحده كفيل بالإجابة: هل يشهد ملف سلاح المخيمات تحولاً جذرياً، أم يظل عالقاً بين الأيدي، معلقاً فوق المخيمات كسحابة ثقيلة لا تنقشع؟