يشهد ملف قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل) واحدة من أكثر لحظاته حساسية منذ سنوات، مع إرجاء جلسة مجلس الأمن الدولي التي كانت مقررة للتصويت على مشروع القرار الفرنسي المتعلق بالتمديد لمهمة القوة. هذا التأجيل أعاد إلى الواجهة المخاوف من تعثر التوصل إلى صيغة توافقية، خصوصاً في ظل إصرار واشنطن على ربط التمديد بجدول زمني واضح لانسحاب تدريجي للقوة الدولية.
وعلى الرغم من أن التمديد لليونيفيل غالباً ما يتم في اللحظات الأخيرة من شهر آب، إلا أن التأجيل الحالي يعكس حجم التعقيدات السياسية. فالموقف الأميركي، الذي يميل إلى تقليص حجم القوة أو إنهاء مهمتها على المدى المنظور، اصطدم بمساعٍ فرنسية تهدف إلى الحفاظ على الوجود الدولي في الجنوب مع إدخال تعديلات تُراعي بعض المطالب الأميركية.
مصادر دبلوماسية أشارت إلى أن باريس وزعت خلال الأيام الأخيرة نسخة معدلة من مشروع القرار تضمنت تغييرات في الديباجة والفقرات العملية، أبرزها التأكيد على دور الحكومة اللبنانية كسلطة وحيدة على كامل أراضيها، والإشادة بجهود الجيش اللبناني في فرض سيادته. كما أشارت التعديلات إلى التقدم المحقق منذ أواخر عام 2024 في كشف مخابئ الأسلحة وتعزيز انتشار "اليونيفيل" بالتنسيق مع الجيش.
وفق الصيغة المعدلة، يُمدد لمهمة القوة حتى 31 آب 2026، على أن تُطلق الأمم المتحدة مراجعة استراتيجية بحلول آذار من العام نفسه لتقييم شروط الانسحاب التدريجي، واستكشاف سبل دعم الجيش اللبناني جنوب الليطاني بعد رحيل "اليونيفيل". كما تضمنت البنود الجديدة دعوة الحكومة اللبنانية لاحترام كامل أحكام اتفاق وضع القوات الموقع عام 1995، بما يضمن حرية حركة القوة وسلامة أفرادها.
الولايات المتحدة، من جهتها، لم تُخفِ رغبتها في وضع جدول زمني واضح يضمن انسحاب القوة وعدم إبقاء المجال مفتوحاً لتمديدات إضافية. بعض المسؤولين الأميركيين المتشددين يلتقون مع الموقف الإسرائيلي الذي يعارض أي بقاء طويل الأمد لـ"اليونيفيل"، معتبرين أن دورها لم يحقق النتائج المرجوة منذ صدور القرار 1701. بالمقابل، ترى أطراف أخرى أن انسحاباً سريعاً قد يُحدث فراغاً أمنياً يزيد من هشاشة الجنوب اللبناني.
التأجيل الذي شهده مجلس الأمن فُسّر بأنه محاولة لإتاحة مزيد من الوقت أمام اتصالات رفيعة بين وزيرَي الخارجية الأميركي والفرنسي لتجاوز "العقبة الأخيرة". في حال فشل التوصل إلى صيغة وسطية، قد تُضطر رئاسة المجلس الحالية (روسيا) إلى إرجاء التصويت مرة أخرى، لكن مهلة نهاية آب تبقى السقف الزمني الحاسم.
على الأرض، يتابع لبنان هذه التطورات بدقة، إذ إن أي تغيير في طبيعة مهمة "اليونيفيل" أو في حجمها سينعكس مباشرة على الوضع الأمني والسياسي الداخلي. فالجيش اللبناني يُعدّ الشريك الأساسي للقوة الدولية في تطبيق القرار 1701، ويواجه في الوقت نفسه ضغوطاً كبيرة مع ملف "حصرية السلاح" والخطوات المرتبطة به.
في السياق ذاته، ربطت أوساط متابعة بين مسار التمديد لـ"اليونيفيل" والنتائج المنتظرة من زيارة الموفدين الأميركيين إلى بيروت، وما سيحملانه من ردود إسرائيلية على المبادرة الأميركية. إذ يرى مراقبون أن نجاح الجهود في تثبيت تهدئة على الحدود الجنوبية قد يدعم خيار التمديد بسلاسة أكبر، فيما استمرار الغموض قد يعمّق الانقسام داخل مجلس الأمن.
وفي خضم هذه التجاذبات، يبقى الثابت أن الجنوب اللبناني يقف عند تقاطع حساس بين الضغوط الدولية، وحسابات القوى الكبرى، والاعتبارات المحلية المعقدة. ومع اقتراب انتهاء التفويض الحالي لليونيفيل، فإن الأيام القليلة المقبلة ستكشف ما إذا كان مجلس الأمن سينجح في الحفاظ على وجود القوة الدولية بصيغة معدلة، أم أن المنطقة ستدخل مرحلة جديدة من الفراغ والمخاطر غير المحسوبة.