تجددت المخاوف الأمنية شمال شرقي سوريا بعد اندلاع اشتباكات محدودة في محيط سجن حي الكلاسة في مدينة الحسكة، شمال شرقي البلاد، حيث حاول بعض سجناء تنظيم الدولة استغلال عملية إحصاء دورية للفرار. وأكدت قوات سوريا الديمقراطية "قسد" تمكنها من إحباط هذه المحاولة سريعاً، وسط تأكيدات بأن الاشتباكات اقتصرت على نطاق السجن دون امتداد خارجي.
تأتي هذه الأحداث لتسليط الضوء على التحديات المستمرة التي تواجهها الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا في إدارة السجون التي تضم عناصر من تنظيم الدولة، سواء كانوا مقاتلين سوريين أو أجانب. فحتى مع السيطرة على الوضع الأمني، تبقى هذه السجون مركز تهديد دائم، إذ تشكل بيئة خصبة لإعادة التنظيم والتخطيط للعمليات المسلحة، وهو ما يضاعف المخاطر على الاستقرار المحلي والإقليمي.
وتشير تقديرات الخبراء إلى أن أي إهمال في إدارة هذه السجون قد يؤدي إلى موجة جديدة من العنف، لا سيما في ظل وجود مقاتلين أجانب لديهم خبرة قتالية طويلة، وقدرتهم على التحرك بسرعة في حال حدوث فراغ أمني أو فوضى داخل السجن. ولذلك، يرى محللون أن مواجهة خطر هذه السجون لا يقتصر على الإجراءات الأمنية المحلية، بل يجب أن تكون هناك خطة دولية تشارك فيها الدول التي ينتمي إليها هؤلاء السجناء، لضمان إعادة تأهيلهم أو محاكمتهم وفق القانون، ومنع أي محاولات للهروب.
على صعيد متصل، تمثل مخيمات المعتقلين من عناصر داعش وأسرهم تحدياً آخر للأمن والاستقرار. فهذه المخيمات، التي تضم آلاف النساء والأطفال والرجال الذين كانوا مرتبطين بالتنظيم، تفتقر غالباً إلى السيطرة الكاملة والرقابة الفعالة، ما يجعلها بيئة محتملة لعودة التطرف أو لتجنيد عناصر جديدة. وينبه خبراء أمنيون إلى أن أي تجاهل لضرورة تفريغ هذه المخيمات بشكل منظم يمثل خطراً طويل الأمد، ليس على سوريا فحسب، بل على المنطقة بأسرها.
الحل المقترح، وفق توصيات دولية، يقوم على إعادة كل مواطن إلى بلده الأصلي إذا كان مرتبطاً بالتنظيم أو حتى أفراد أسرهم الذين تم تجنيدهم، مع تطبيق برامج قانونية وإعادة تأهيل. فاستمرار بقائهم في المخيمات، دون خطة واضحة للتعامل معهم، يعزز من احتمالية قيام التنظيمات المتطرفة باستغلال هذا الواقع لتجديد نشاطها. ومن هنا، تؤكد الحكومات والمنظمات الدولية على أهمية التعاون بين الدول لإعادة مواطنيها من المخيمات والسجون، ما يسهم في الحد من انتشار الإرهاب وإعادة دمج هؤلاء الأفراد في مجتمعاتهم مع إشراف قانوني ومتابعة أمنية دقيقة.
من الناحية المحلية، تظل "قسد" مضطرة لمواجهة تحديات معقدة: إدارة السجون، حماية المدنيين في الحسكة، وضمان عدم تحول المخيمات إلى قواعد جديدة للتطرف. وبينما تسيطر القوات على الوضع بشكل مؤقت، يشدد المراقبون على أن الحلول طويلة المدى تتطلب جهوداً مشتركة بين السلطات المحلية والدول المعنية والأمم المتحدة. فالرهانات الأمنية والسياسية تتداخل هنا، إذ لا يمكن لأي جهة بمفردها حل مشكلة السجون والمخيمات، خصوصاً مع وجود ضغوط دولية لتفكيك خلايا التنظيم وملاحقة العناصر الأجانب.