تشهد المفاوضات بين الإدارة الذاتية وشبه الحكومة السورية في شمال شرقي سوريا مرحلة حرجة، مع توقف المحادثات بسبب خلافات جوهرية حول دمج المؤسسات المدنية والأمنية. حيث يرى الطرفان مصطلح "الدمج" بطريقة متباينة، ما يجعل إمكانية الوصول إلى اتفاق شامل أمراً صعباً في الوقت الراهن.
عضو وفد الإدارة الذاتية، سنحريب برصوم، كشف أن دمشق ترغب في حل جميع المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية، معتبرة أن ذلك يمثل التنفيذ الفعلي لفقرة دمج المؤسسات في اتفاقية 10 آذار. بالمقابل، تتمسك الإدارة الذاتية بمفهوم مختلف للدمج، يقوم على ربط مؤسساتها بنظيراتها الحكومية دون حلها، وهو ما يعتبره الطرف المحلي محور الخلاف الأبرز. برصوم شدد على أن رؤيته تقوم على مبدأ اللامركزية، حيث تبقى المؤسسات منتخبة من أبناء المنطقة، معبرة عن إرادة السكان وممثلة لجميع المكونات المجتمعية.
توقف المفاوضات يشير إلى توتر العلاقة بين الإدارة الذاتية ودمشق، إذ أن وفد الإدارة الذاتية كان ينتظر عقد جولة في باريس لتقدم الحوار، إلا أن الحكومة رفضت عقدها، ما يضع العملية السياسية في حالة شبه جمود. برصوم أكد أن الهدف ما زال التوصل إلى حلول تخدم الطرفين والشعب السوري، إلا أن التأخير الحالي قد يستلزم تمديد الجدول الزمني المحدد في اتفاقية 10 آذار لضمان تحقيق تسوية شاملة.
في هذا السياق، يبرز الدور التركي في مراقبة وتوجيه النقاش الدولي حول سوريا. مندوب تركيا لدى الأمم المتحدة، أحمد يلدز، اعتبر الحكومة المركزية والجيش الوطني الموحد عنصرين لا غنى عنهما لتحقيق الاستقرار في البلاد، مؤكداً على أهمية تعزيز سلطة الدولة المركزية للحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها. يلدز حذر من أن "قسد" لم تتخذ خطوات ملموسة لتخفيف التوتر، وأن عناصر التنظيمات المسلحة الأجنبية ما زالوا يتواجدون داخل مناطق الإدارة الذاتية، مستغلين حالة الغموض لأجنداتهم الخاصة.
هذه التحذيرات التركية تشير إلى تصعيد محتمل في الضغوط السياسية والدبلوماسية على الإدارة الذاتية، بهدف إجبارها على الامتثال الكامل لرؤية الحكومة السورية حول الدمج. في المقابل، ترى الإدارة الذاتية أن أي حل شامل يجب أن يحافظ على استقلال مؤسساتها، التي تمثل مكونات المنطقة المتنوعة، وتخدم مصالح السكان المحليين بعيداً عن تدخلات خارجية مباشرة.
من زاوية أخرى، يرى محللون أن استمرار الجمود الحالي يعكس تعقيد المشهد السوري بعد سنوات من النزاع المسلح، حيث تتداخل المصالح الإقليمية والدولية مع المصالح المحلية في شمال شرق البلاد. الإدارة الذاتية تسعى للحفاظ على نموذج حكم محلي قائم على التمثيل الديمقراطي واللامركزية، بينما الحكومة السورية تعتبر هذه المؤسسات جزءاً من التحدي الذي يهدد سيادتها. هذا التباين في التصورات يعكس عدم التوازن في القوة بين الطرفين، ويزيد من صعوبة التوصل إلى اتفاق نهائي في ظل عدم وجود آليات ضاغطة تحافظ على مصالح الطرفين.
توقف المفاوضات يطرح أسئلة حول المستقبل السياسي لشمال سوريا، خاصة في ظل وجود اتفاقيات دولية سابقة، مثل اتفاقية 10 آذار، التي نصت على دمج المؤسسات ووقف التصعيد بين الطرفين. التأخر في تنفيذ هذه الاتفاقيات يفتح المجال أمام استغلال سياسي من قبل أطراف محلية وإقليمية، تؤثر على استقرار المنطقة، وتزيد من تعقيد الحلول الممكنة للأزمة. من هنا، يبرز التحدي الأساسي في الحفاظ على مصالح السكان المحليين وضمان عودتهم إلى حياة طبيعية ومستقرة، بعيداً عن أي تأثيرات خارجية أو أجندات سياسية قصيرة المدى.
تحليل السياق يظهر أن أي حل مستدام لن يكون ممكناً إلا عبر تفاهم حقيقي يأخذ بعين الاعتبار مطالب السكان المحليين، ويضمن توازن القوى بين الحكومة السورية والإدارة الذاتية. على الرغم من التأكيد على استمرار الحوار، إلا أن أي تأجيل إضافي يزيد من احتمالات تفاقم التوترات، ويضعف ثقة المجتمع المحلي في العملية السياسية. ويبدو أن الأهم في المرحلة المقبلة هو التوصل إلى صياغة توافقية واضحة، تحدد مهام المؤسسات، وتضمن حقوق جميع الأطراف، مع مراعاة التنوع العرقي والديني والاجتماعي للمنطقة.
في النهاية، يوضح هذا المشهد أن شمال سوريا يمر بفترة حرجة تتطلب إدارة دقيقة للتوازن بين مصالح الدولة ومطالب السكان المحليين. أي حلول جزئية أو فرضية دون توافق حقيقي قد تؤدي إلى تعميق الانقسامات وإطالة أمد الأزمة، بينما يمثل التوصل إلى اتفاق شامل فرصة لإعادة استقرار المنطقة، وضمان وحدة الدولة السورية، مع الحفاظ على دور مؤسسات الإدارة الذاتية في خدمة مجتمعها.