إسرائيل وحزب الله: الحدود الشمالية بين التهدئة والتصعيد المحتمل

وكالة أنباء آسيا

2025.08.23 - 02:48
Facebook Share
طباعة

في الوقت الذي يسعى فيه المجتمع الدولي إلى احتواء التوترات على الحدود الشمالية لإسرائيل، رفضت تل أبيب خطة المبعوث الأمريكي توم باراك لإنهاء الأعمال العدائية مع حزب الله، على الرغم من موافقتها الجزئية على وقف تدريجي للهجمات. هذا الموقف يعكس أولويات إسرائيل الأمنية الاستراتيجية، ويكشف عمق التحديات التي تواجه أي جهود للتهدئة في المنطقة، حيث وضعت تل أبيب شرطًا أساسيًا لإنجاح أي اتفاق: إبقاء بعض القرى الحدودية اللبنانية خالية من السكان، لتعمل كمنطقة عازلة تمنع حزب الله من استخدام المدنيين كغطاء لعملياته العسكرية.

الإسرائيليون يرون أن هذه المناطق العازلة ليست مجرد مطلب تكتيكي، بل جزء من استراتيجية أمنية طويلة الأمد تهدف إلى خلق فراغ أمني يمكن من خلاله رصد أي تحركات معادية مبكرًا، ومنع حزب الله من تنفيذ هجمات معقدة قد تستغل المناطق السكنية كغطاء. الموقف الإسرائيلي يكشف إدراك تل أبيب لطبيعة العمليات التي ينفذها حزب الله، والتي غالبًا ما تعتمد على المدنيين لتغطية مقراته وتحريك صواريخه، ما يجعل أي تهدئة غير مشروطة محفوفة بالمخاطر.

رفض إسرائيل لخطة باراك يعكس الفجوة بين الرؤية الأمريكية القائمة على الدبلوماسية والتهدئة، والرؤية الإسرائيلية التي تعطي الأولوية للجانب العسكري والأمني. بينما ركزت الولايات المتحدة على الضغوط الدبلوماسية والحوار السياسي لتقليل التصعيد، أعطت إسرائيل الأولوية للإجراءات الأمنية الملموسة، معتبرة أن أي اتفاق بدون هذه الضمانات لن يكون عمليًا ولن يحقق الهدف المنشود. هذا التباين يظهر محدودية التأثير الأمريكي في المنطقة، ويجعل أي وساطة دولية تواجه صعوبة في التوفيق بين مصالح الأطراف.

من منظور إقليمي، يسلط الموقف الإسرائيلي الضوء على حساسية الملف اللبناني وأهمية حزب الله كلاعب محوري في المعادلة. الحزب، الذي يمتلك بنية تحتية عسكرية معقدة وتدعمها إيران، يظل قادرًا على اختبار مدى التزام إسرائيل والشركاء الدوليين بالتهدئة، ما يجعل الحدود الشمالية مرشحة للتصعيد في أي لحظة. كما يضع هذا الوضع لبنان أمام تحديات سياسية وأمنية كبيرة، إذ قد تصبح المناطق الحدودية اللبنانية محور صراع محتمل بين الاستراتيجية الإسرائيلية والأهداف الدفاعية لحزب الله، مع مخاطر توسيع دائرة التوتر لتشمل دول الجوار.

التداعيات المحتملة للموقف الإسرائيلي تمتد إلى الأبعاد الأمنية والسياسية والإنسانية. إسرائيل مضطرة لتعزيز جاهزيتها العسكرية باستمرار، واتخاذ إجراءات استباقية لضمان عدم تمكن حزب الله من استغلال المناطق المدنية، وهو ما يعكس تركيز تل أبيب على الأمن القومي فوق أي اعتبارات دبلوماسية أو سياسية. وفي الوقت نفسه، يبرز الوضع تعقيد جهود التهدئة الدولية، إذ تتداخل المصالح الإقليمية والضغوط الأمريكية مع التحديات الأمنية على الأرض، ما يجعل الوصول إلى اتفاق شامل أكثر صعوبة.

تاريخيًا، يعكس الموقف الإسرائيلي امتدادًا لاستراتيجية طويلة الأمد اتبعتها تل أبيب منذ مواجهة 2006 مع حزب الله، والتي أظهرت قدرة الحزب على استخدام المدنيين كغطاء للعمليات العسكرية، سواء لحماية مقراته أو لتحريك صواريخه. الدروس المستفادة من تلك المواجهة دفعت إسرائيل لاعتماد سياسة ردع صارمة وفرض قيود على الحركة في المناطق الحدودية، لضمان ألا تتكرر الأخطاء السابقة.

في هذا السياق، تبقى الحدود الشمالية بيئة شديدة التعقيد، تحيط بها ضغوط سياسية وإقليمية مستمرة، وتهدد باندلاع أي مواجهة جديدة في أي لحظة. الموقف الإسرائيلي يعكس تركيز الدولة على الاستعداد للصراع في أي وقت، بينما تحاول الوساطات الدولية إقناع الأطراف بالتهدئة، وهو ما يجعل الاستقرار في المنطقة هشًا، ويجعل أي تحرك دبلوماسي مرتبطًا بشروط أمنية دقيقة قد تصعب التوصل إلى تفاهم شامل.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 10