عمرو موسى: تركيا أخطر من إيران ومصر ما زالت أسيرة نكسة 1967

القاهرة- وكالة أنباء آسيا

2025.08.23 - 02:20
Facebook Share
طباعة

في لقاء تحليلي موسع مع قناة MBC، قدّم الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية ووزير خارجية مصر الأسبق عمرو موسى رؤية شاملة حول التحديات السياسية والاستراتيجية التي تواجه المنطقة العربية، مركّزاً على الدور التركي والإيراني، بالإضافة إلى تقييمه للحقبة التاريخية لمصر منذ عهد جمال عبد الناصر. اللقاء جمع بين التحليل الاستراتيجي والتقييم التاريخي، وقدّم رؤية موسى لكيفية حماية مصالح الدول العربية على المدى الطويل.

كما كشف عن رؤيته لمستقبل السياسة الإقليمية في الشرق الأوسط، مع تقييم دقيق لأدوار تركيا وإيران، وتحليل مبادرته الخاصة بالتعاون العربي الموسع، إضافة إلى قراءة معمقة لتاريخ مصر منذ عهد جمال عبد الناصر ونكسة 1967.

تركيا – الخطر الاستراتيجي الأكبر

أكد عمرو موسى أن تركيا تمثل تهديداً استراتيجياً أكبر من إيران على المدى الطويل، وذلك بسبب اعتمادها على خطط واضحة واستراتيجيات مدروسة تتجاوز الصراعات المحلية أو الانقسامات الطائفية. وأوضح موسى أن السياسات التركية مبنية على أهداف بعيدة المدى تشمل التأثير الاقتصادي والسياسي والعسكري في مناطق متعددة، وهو ما يمنحها ميزة مقارنة بإيران التي تركز على استغلال الانقسامات الطائفية بين السنة والشيعة كوسيلة للضغط النفسي والسياسي.

وأشار موسى إلى أن الاستراتيجية التركية لا تقتصر على التحركات العسكرية فقط، بل تشمل الدبلوماسية الاقتصادية، والتحالفات الإقليمية، والمشاركة في المؤسسات الدولية، ما يجعل تركيا قوة متعددة الأبعاد قادرة على التكيف مع مختلف التحديات الإقليمية والدولية.

موسى يوضح أن فهم الطبيعة الاستراتيجية التركية يتطلب النظر إلى تركيا كقوة منظمة تخطط بعناية لمستقبلها الإقليمي، وليست مجرد دولة تتصرف بناءً على ردود فعل طائفية أو داخلية. بالنسبة للعالم العربي، هذا يعني أن التجاهل أو الاستهتار بالدور التركي قد يؤدي إلى صراعات أو فقدان تأثير استراتيجي في مناطق حساسة مثل الخليج والبحر الأبيض المتوسط.

الانتشار العسكري والجيوسياسي

أوضح موسى أن تركيا تمتلك شبكة واسعة من القواعد العسكرية في مناطق حيوية، تشمل الخليج العربي، البحر الأحمر، البحر الأبيض المتوسط، والبحر الأسود. وقال إن هذا الانتشار يمنح تركيا قدرة كبيرة على التأثير في التحركات العسكرية والسياسية للدول العربية، ويتيح لها التحكم في خطوط الملاحة والتجارة الدولية، إضافة إلى القدرة على التدخل السريع في أي صراع إقليمي.

كما أشار موسى إلى أن الوجود التركي في مناطق غير عربية، مثل البحر الأسود وجنوب أوروبا، يضيف بعداً استراتيجياً جديداً، يمكن أن يؤثر على موازين القوة في المنطقة ويزيد من قدرتها على التفاوض مع القوى الدولية مثل الولايات المتحدة وروسيا.

توضح تصريحات موسى أن الانتشار العسكري التركي ليس هدفاً عشوائياً، بل جزء من استراتيجية متكاملة لبسط النفوذ وتأمين مصالح تركيا الاقتصادية والسياسية. بالنسبة للدول العربية، هذا يعني ضرورة متابعة دقيقة للتحركات التركية، وفهم المواقع الاستراتيجية لهذه القواعد، وتقييم تأثيرها على الأمن الوطني والإقليمي.

التوازن الدبلوماسي

أشار موسى إلى أن تركيا تسعى لتحقيق توازن دبلوماسي مع مختلف القوى العالمية، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة، وروسيا. وأضاف أن القدرة على إدارة علاقات متعددة القوى في الوقت نفسه تجعل تركيا أكثر تعقيداً في سياساتها، وتمنحها نفوذاً أكبر في القرارات الدولية المتعلقة بالشرق الأوسط.

وأكد موسى أن هذه الاستراتيجية تجعل من تركيا قوة سياسية قادرة على المناورة بين القوى الكبرى، واستخدام علاقاتها الدولية لتحقيق أهدافها الإقليمية، بما في ذلك تطوير الاقتصاد المحلي، توسيع النفوذ العسكري، وضمان حضور مؤثر في المنظمات الدولية.

يربط موسى بين القدرة العسكرية التركية والتخطيط الاستراتيجي والمهارات الدبلوماسية، مؤكداً أن تركيا أصبحت قوة يجب على الدول العربية متابعتها عن كثب. ويشير إلى أن الوعي الاستراتيجي في التعامل مع تركيا يعني فهم سياساتها المعقدة، واستغلال نقاط القوة والضعف فيها لحماية مصالح الدول العربية، دون الانجرار وراء ردود الفعل الطائفية أو العاطفية.

إيران – الاعتماد على الانقسامات الطائفية

السياسة الطائفية

أوضح عمرو موسى أن إيران تعتمد على التضاد بين السنة والشيعة كأداة سياسية لتحقيق نفوذ إقليمي، مشيراً إلى أن هذه السياسة تستخدم كوسيلة لخلق صراعات داخلية بين الدول أو لممارسة الضغط على الفاعلين الإقليميين. وصف موسى هذه الاستراتيجية بأنها مكروهة وغير عقلانية، لأنها تركز على الانقسام الاجتماعي والديني بدلاً من بناء قدرات مؤسساتية أو استراتيجية طويلة المدى.

وأضاف موسى أن الاعتماد على الطائفية يجعل السياسات الإيرانية مرهونة بالتقلبات المحلية والدينية، ويحد من قدرتها على تنفيذ أهداف واضحة ومستقرة على المستوى الإقليمي. هذه الطريقة، وفق موسى، قد توفر بعض المكاسب قصيرة المدى، لكنها لا تضمن نفوذاً مستداماً أو قوة استراتيجية متينة على المدى الطويل.

محدودية الفاعلية الاستراتيجية

أكد موسى أن السياسات الإيرانية المبنية على الانقسامات الطائفية لا ترتقي إلى مستوى التخطيط الاستراتيجي المتكامل، مشيراً إلى أن إيران غالباً ما تتفاعل مع الأحداث بدلاً من أن تكون محركاً للتغيير الإقليمي. بالمقابل، وصف موسى تركيا بأنها تمتلك أهدافاً واضحة وتحركاً جيوسياسياً مدروساً، قادر على توسيع نفوذها في مناطق حساسة وتحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية على نطاق أوسع.

وأشار موسى إلى أن الاعتماد على الانقسامات الطائفية يجعل من الصعب على إيران العمل ضمن تحالفات واسعة المدى أو إدارة علاقات متعددة القوى بفاعلية، مما يقلل من قدرتها على التأثير الاستراتيجي مقارنة بالقوى الأخرى مثل تركيا.

يوضح موسى أن الطائفية أداة قصيرة المدى، يمكن أن تمنح الدولة نفوذاً مؤقتاً أو تأثيراً في مناطق معينة، لكنها لا توفر أساساً قوياً للسياسة الاستراتيجية المستدامة. بينما السيطرة الاستراتيجية وتوسيع النفوذ الإقليمي يحتاج إلى خطط واضحة، قدرات متعددة الأبعاد، واستراتيجيات متكاملة، كما هو الحال مع تركيا، التي تجمع بين النفوذ العسكري، الدبلوماسي، والاقتصادي لتحقيق أهدافها على المدى الطويل.

المبادرة العربية الموسعة: شراكة الجوار العربي

كشف عمرو موسى أن المبادرة كانت تهدف إلى توسيع نطاق الجامعة العربية لتشمل دول الجوار العربي، بما فيها تركيا وإيران وإسرائيل، إلى جانب دول إفريقية ومتوسطية وآسيوية أخرى. وأوضح موسى أن الهدف كان خلق إطار تعاون شامل يسمح للجامعة بأن تتعامل مع التحديات الإقليمية بشكل أكثر فعالية، ويعزز قدرة الدول العربية على التفاوض والتفاعل مع القوى الإقليمية والدولية المؤثرة.

وأشار موسى إلى أن المبادرة لم تكن مجرد توسيع شكلي لعضوية الجامعة، بل محاولة لبناء شبكة أوسع من الشراكات الاقتصادية والسياسية والأمنية، يمكن أن تسهم في تحقيق استقرار طويل المدى، وتحويل الجامعة العربية إلى منصة استراتيجية مؤثرة على مستوى المنطقة.

العقبات والتحديات

أوضح موسى أن المبادرة واجهت رفض بعض القادة العرب بسبب التوترات السياسية القائمة مع إيران وإسرائيل، والتي جعلت بعض الدول غير مستعدة للانضمام إلى تحالفات أوسع تشمل هذه الدول.

ورغم ذلك، شدد موسى على أن الهدف الأساسي من المبادرة كان تعزيز التعاون الإقليمي الشامل، من خلال تحويل الجامعة العربية من 22 دولة إلى 44 دولة، لتشمل جميع دول الجوار العربي المؤثرة على الأمن والاستقرار الإقليمي. وأضاف موسى أن المبادرة كانت خطوة استباقية لتجاوز الانقسامات التقليدية داخل العالم العربي، ومحاولة لتعزيز الشراكات الاستراتيجية مع دول الجوار دون الانحياز لأي طرف على حساب آخر.

الرؤية الاستراتيجية

اعتبر موسى أن المبادرة كانت خطوة استباقية لتعزيز الاستقرار الأمني والسياسي في المنطقة، وليست محاولة للتحالف مع أي دولة بعينها. وأكد أن الهدف كان بناء آلية تعاون مستدامة تسمح للدول العربية بالتنسيق مع دول الجوار على أساس المصالح المشتركة، والتعامل مع التحديات الإقليمية بفاعلية أكبر.

وأشار موسى إلى أن المبادرة كانت تصبو إلى تعزيز دور الجامعة العربية كمحرك رئيسي للتعاون الإقليمي، وتوسيع نطاق تأثيرها بما يخدم الأمن الاقتصادي والسياسي والاستقرار الطويل المدى، بعيداً عن الانقسامات الطائفية أو الصراعات التقليدية.

تمثل هذه المبادرة رؤية موسى لمستقبل التعاون العربي الموسع، حيث تصبح الجامعة العربية منصة فاعلة للتنسيق مع دول الجوار لتحقيق مصالح مشتركة، وتعزيز الأمن الإقليمي المتوازن. كما تعكس المبادرة نهجاً استراتيجياً بعيد المدى، يركز على بناء شراكات قوية ومستقرة بدل الاقتصار على التحالفات التقليدية المحدودة، وتفتح المجال لمواجهة التحديات الإقليمية بطريقة أكثر تنسيقاً وفاعلية.

التاريخ المصري ونكسة 1967

وصف عمرو موسى الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بأنه كان ديكتاتوراً ارتكب أخطاء جسيمة، رغم محاولاته تنفيذ سياسات إيجابية على صعيد التنمية والحقوق الاجتماعية. وأوضح موسى أن تقييمه لا ينكر الإنجازات التي تحققت في عهده، لكنه يسلط الضوء على أوجه القصور في أسلوب الحكم وغياب التشاور في القرارات الكبرى، ما جعل الدولة عرضة لأزمات استراتيجية، أبرزها الهزيمة في 1967.

وأشار موسى إلى أن هذه الأخطاء تتعلق أساساً بـالتركيز على السلطة المركزية والتصرف الفردي في اتخاذ القرارات المصيرية، وهو ما أدى إلى نتائج مؤثرة على المستوى الوطني والإقليمي.

النكسة كمنعرج تاريخي

اعتبر موسى أن نكسة 5 يونيو 1967 كانت نقطة تحول حاسمة في تاريخ مصر الحديث، حيث كشفت قصور أساليب اتخاذ القرار وعدم التشاور في المسائل المصيرية مثل الحرب والسلام.

وأشار موسى إلى أن القرار بالتصعيد العسكري دون إشراك مستشارين أو قادة سياسيين وعسكريين آخرين كان خطأ استراتيجياً يعكس طبيعة الحكم الديكتاتورية في تلك المرحلة، مؤكدًا أن هذا الخطأ كان له آثار عميقة على مصداقية الدولة وثقة الشعب في قيادته.

أكد موسى أن مصر ما زالت تعيش في ظل آثار تلك النكسة، وأن استيعاب الدروس التاريخية أمر ضروري لتجنب تكرار الأخطاء نفسها. ولفت إلى أن الفهم المتعمق لتلك الفترة يساعد على اتخاذ قرارات استراتيجية أفضل في الحاضر والمستقبل، ويتيح فرصة لإعادة تقييم السياسات الداخلية والخارجية بما يحقق الأمن والاستقرار القومي والإقليمي.

يربط موسى بين الماضي والحاضر، موضحاً أن فهم التاريخ والسياسات السابقة ضروري لاتخاذ قرارات استراتيجية أفضل على مستوى مصر والعالم العربي. ويشير إلى أن استيعاب الأخطاء التاريخية لا يهدف إلى إلقاء اللوم، بل إلى بناء رؤية واضحة للسياسة المستقبلية المبنية على التعلم من التجارب السابقة وتجنب التكرار.

السياسة الإقليمية – الموازنة بين القوة والمصالح

التركيز على الاستراتيجية بدل الطائفية

شدد عمرو موسى على أن السياسات العربية الفعالة يجب أن تركز على المصالح الاستراتيجية بعيداً عن الانقسامات الطائفية التي قد تضعف القرارات أو تجعلها متأرجحة. وأوضح أن الانقسامات الطائفية غالباً ما تكون أداة قصيرة المدى، ولا تساعد على بناء سياسة مستدامة أو تحقيق أهداف واضحة على مستوى الأمن والاستقرار الإقليمي.

وأشار موسى إلى أن النهج الاستراتيجي يتطلب تقييم المخاطر والفرص بشكل موضوعي، بعيداً عن الاعتبارات الطائفية أو العقائدية، بحيث تكون القرارات السياسية والأمنية أكثر فاعلية وقدرة على الصمود أمام التحديات.

أهمية متابعة الدور التركي

أكد موسى أن تركيا تتصرف كقوة إقليمية استراتيجية، وتمتلك القدرة على التأثير في موازين القوة بالمنطقة العربية. وأوضح أن متابعة تحركاتها العسكرية، ودبلوماسيتها، واستثماراتها الاقتصادية أمر ضروري لتجنب أي مفاجآت أو تهديدات محتملة، خصوصاً في مناطق حيوية مثل الخليج والبحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر.

وأشار موسى إلى أن فهم الأهداف التركية ومقاربتها متعددة الأبعاد يسمح للدول العربية بوضع سياسات دفاعية واستراتيجية متوازنة، تحمي مصالحها وتقلل من فرص الصدام أو استغلال النفوذ التركي بشكل سلبي.

تعزيز التعاون مع دول الجوار

أوضح موسى أن المبادرات مثل رابطة الجوار العربي يمكن أن توفر إطاراً عملياً لتوسيع التعاون بين الدول العربية ودول الجوار، بما يشمل الأمن والسياسة والاقتصاد. وأكد أن هذا التعاون يساهم في تعزيز الاستقرار الإقليمي المشترك ويمنح الدول العربية قدرة أكبر على مواجهة التحديات الإقليمية بشكل منسق وفعّال.

وأشار موسى إلى أن بناء شراكات قوية مع دول الجوار يمثل نهجاً عملياً للاستفادة من الموارد المشتركة، وتعزيز المواقف التفاوضية على المستوى الدولي، بعيداً عن الانقسامات الداخلية أو النزاعات العابرة للحدود.

طرح موسى نهجاً عملياً يعتمد على التخطيط الاستراتيجي والمراقبة الدقيقة للقوى المؤثرة وتوسيع الشراكات الفاعلة. وأكد أن النجاح في السياسة الإقليمية لا يقوم على القرارات العاطفية أو الطائفية، بل على استراتيجية واضحة، وفهم دقيق للبيئة الإقليمية والدولية، وتنسيق مستمر مع دول الجوار لتعزيز الأمن والاستقرار المشترك.

قدم عمرو موسى رؤية شاملة لمستقبل المنطقة العربية، حيث جمع بين التحليل الاستراتيجي للنفوذ التركي والإيراني، تقييم المبادرات العربية الموسعة، وفهم التاريخ المصري الحديث.
وشدد على أن السياسات العربية الفعالة تحتاج إلى استراتيجية واضحة، متابعة دقيقة للدور التركي، تعلم من الماضي، وتوسيع التعاون مع دول الجوار، بعيداً عن الانقسامات الطائفية والقرارات العاطفية. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 2