شهدت السياسة الهولندية يومًا حاسمًا مع إعلان وزير الخارجية كاسبار فيلدكامب استقالته من حكومة تصريف الأعمال، احتجاجًا على موقف الحكومة من الحرب الإسرائيلية في غزة ورفضها فرض عقوبات إضافية على تل أبيب. هذه الخطوة المفاجئة لم تكن مجرد قرار شخصي، بل تعكس أزمة سياسية أعمق، وتعكس التحديات التي تواجه الحكومة الهولندية في التوازن بين الضغط الدولي والدبلوماسي والمطالب الشعبية الداخلية.
استقالة وزير الخارجية الهولندي كاسبار فيلدكامب من حكومة تصريف الأعمال ليست مجرد حدث سياسي داخلي، بل مؤشر على أزمة متشابكة الأبعاد تهز المشهد السياسي الهولندي. القرار جاء على خلفية فشل الحكومة في فرض عقوبات إضافية على إسرائيل بسبب تصعيدها العسكري في قطاع غزة، في وقت تتصاعد فيه الاحتجاجات الشعبية ويزداد الضغط الدولي على هولندا.
تأتي استقالة فيلدكامب في سياق تصعيد عسكري إسرائيلي واسع في غزة، أدى إلى سقوط مئات المدنيين الفلسطينيين وتدمير البنية التحتية الحيوية للقطاع. في هذا الإطار، طالب فيلدكامب الحكومة باتخاذ إجراءات عقابية ضد إسرائيل، بما في ذلك فرض عقوبات اقتصادية وزيادة الضغوط الدبلوماسية، إلا أن هذه الدعوات قوبلت بمقاومة قوية داخل مجلس الوزراء، ما دفعه للاعتراف بأنه يشعر بـ"القيود" على عمله كوزير للخارجية.
الاستقالة وانهاء دور الحزب في الائتلاف
لم تتوقف الأزمة عند حد استقالة الوزير، إذ أعلن حزبه "العقد الاجتماعي الجديد" انسحابه من الائتلاف الحاكم، ما يزيد من هشاشة الحكومة الهولندية، ويضاعف الفوضى السياسية المستمرة منذ انسحاب حزب الحرية اليميني المتطرف بقيادة غيرت فيلدرز في يونيو 2025. هذا الانسحاب يمثل ضربة كبيرة للائتلاف، إذ يفقد رابع أكبر حزب في البرلمان قوته التفاوضية والسياسية، ويترك الحكومة أمام انتخابات مبكرة في 29 أكتوبر، وسط بيئة سياسية مضطربة.
الاحتجاجات الشعبية وأثرها على القرار السياسي
على الصعيد الداخلي، شهدت هولندا سلسلة احتجاجات شعبية غير مسبوقة، شارك فيها نحو 150 ألف شخص، مطالبين بفرض عقوبات على إسرائيل لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة. هذه التظاهرات تعكس الغضب الشعبي المتزايد من السياسة الحكومية، وتضع ضغطًا كبيرًا على الأحزاب المتبقية في الحكومة لتحديد موقف واضح وصارم من الأزمة. كما تعكس هذه الاحتجاجات تزايد وعي الرأي العام الهولندي بالوضع الإنساني الكارثي في القطاع الفلسطيني.
البعد الدولي والدبلوماسي
هولندا، كعضو مؤثر في الاتحاد الأوروبي، كانت ضمن 21 دولة وقعت على بيان مشترك يرفض مشروع الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية ويصفه بأنه "غير قانوني". في الشهر الماضي، أعلنت أمستردام الوزيرين الإسرائيليين اليمينيين المتطرفين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش "شخصين غير مرغوب فيهما"، في مؤشر على محاولة الحكومة الحفاظ على موقف دبلوماسي متوازن بين الالتزام بالقانون الدولي والحفاظ على العلاقات مع إسرائيل. ومع ذلك، يوضح انسحاب فيلدكامب الصعوبة المتزايدة في الجمع بين الضغوط الإنسانية والمصالح السياسية التقليدية.
تداعيات الاستقالة على المشهد السياسي الهولندي
تفكك الائتلاف الحاكم
استقالة وزير الخارجية كاسبار فيلدكامب وانسحاب حزبه "العقد الاجتماعي الجديد" من الائتلاف الحاكم يمثل ضربة قوية لاستقرار الحكومة الهولندية. فقد فقدت الحكومة بذلك رابع أكبر حزب في البرلمان، ما يتركها أمام أزمة في اتخاذ القرارات الاستراتيجية والحساسة، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات المبكرة في 29 أكتوبر 2025. هذا التفكك يزيد من احتمالات ضعف الحكومة في مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية، ويجعلها أكثر هشاشة أمام أي تحولات سياسية أو احتجاجات شعبية جديدة.
انقسام الرأي العام والحكومة
الاستقالة كشفت عن الانقسامات الداخلية العميقة بين الأحزاب بشأن موقف هولندا من النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. بعض الأحزاب تدعو إلى سياسة أكثر صرامة تجاه إسرائيل، بينما تفضل أخرى الحفاظ على علاقات قوية معها. هذا الانقسام لا يقتصر على البرلمان فحسب، بل يمتد إلى الرأي العام، الذي يختلف في تقييمه للموقف الهولندي تجاه الحرب في غزة. النتيجة هي صعوبة توحيد السياسة الخارجية، وهو ما يضع الحكومة المقبلة أمام تحدٍ كبير في صياغة موقف واضح ومستدام على الصعيد الدولي.
ضغط سياسي مستمر
الاحتجاجات الشعبية المتواصلة تضيف بعدًا آخر لتداعيات الاستقالة. مشاركة نحو 150 ألف متظاهر في شوارع هولندا، مطالبين بفرض عقوبات على إسرائيل وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، تمثل ضغطًا مستمرًا على الأحزاب السياسية. هذه الاحتجاجات ليست مجرد تعبير عن الغضب الشعبي، بل تشكل قوة سياسية قادرة على التأثير في قرارات الحكومة القادمة، وربما إعادة رسم خريطة القوى السياسية قبل الانتخابات، حيث ستزداد أهمية المواقف تجاه الشرق الأوسط كعامل حاسم في حملات الأحزاب الانتخابية.
الأبعاد الدبلوماسية الدولية
هولندا كانت ضمن 21 دولة وقعت على بيان يرفض مشروع الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، ووصفته بأنه "غير قانوني". الشهر الماضي أعلنت الحكومة أن الوزيرين الإسرائيليين اليمينيين المتطرفين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش "شخصين غير مرغوب فيهما". هذه الخطوات تظهر محاولة الحكومة السابقة موازنة الضغط الدولي مع الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية، لكنها لم تمنع الانقسام الداخلي الذي أدى إلى استقالة فيلدكامب.
الأبعاد الاقتصادية
الأزمة السياسية والهشاشة الحكومية قد تؤثر على الاقتصاد الهولندي، خاصة في ظل التوترات الأوروبية والدولية المتعلقة بعلاقات هولندا مع إسرائيل. أي تغييرات في السياسات الخارجية أو فرض عقوبات مستقبلية قد تؤثر على التجارة والاستثمار، وهو ما يزيد الضغط على الحكومة المقبلة لتحديد سياسة واضحة ومستقرة.
استحقاقات المرحلة القادمة
استقالة كاسبار فيلدكامب تمثل مؤشرًا واضحًا على تحولات عميقة في السياسة الهولندية تجاه الشرق الأوسط. في ظل الانقسامات الداخلية والضغوط الشعبية والدولية، يبقى السؤال المركزي: هل ستتمكن الحكومة القادمة من اتخاذ موقف واضح ومستقل تجاه النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، أم أن الفوضى السياسية والهشاشة ستستمر؟