هاجم السفير الأمريكي لدى إسرائيل، مايك هاكابي، الأمم المتحدة واصفًا إياها بأنها "فاسدة وغير كفؤة" بسبب تعاملها مع أزمة المجاعة في القطاع، متهمًا المنظمة بالتقصير ومشيرًا إلى أن 92% من الغذاء الذي يدخل غزة يُسرق قبل أن يصل للمدنيين. وأكد هاكابي أن الإعلام الدولي يغفل "القصة الحقيقية" وراء المجاعة، داعيًا إلى كشف الملابسات الكاملة لهذه الأزمة الإنسانية.
أعلنت الأمم المتحدة رسميًا عن وصول غزة إلى مرحلة المجاعة، حيث يعاني نحو 514 ألف شخص من الجوع الشديد، أي ما يقارب ربع سكان القطاع البالغ عددهم نحو مليوني نسمة. وتشير التقديرات إلى أن هذا الرقم مرشح للارتفاع ليصل إلى 641 ألف شخص بحلول نهاية سبتمبر 2025، في ظل استمرار الحصار وارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية. وصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، هذه الأزمة بأنها "كارثة من صنع الإنسان"، مشددًا على أن استمرار الوضع دون تدخل عاجل سيؤدي إلى نتائج مأساوية قد تترتب عليها مساءلة دولية. ويشير هذا التصريح إلى أن الكارثة الحالية ليست ناتجة عن ظروف طبيعية أو كوارث بيئية، بل هي نتيجة تراكمية لسياسات عسكرية وحصار مستمر أدى إلى تدهور شديد في القدرة على تأمين الغذاء والاحتياجات الأساسية للمدنيين.
وأكدت الأمم المتحدة أن تجويع المدنيين لأغراض عسكرية يعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني ويصنف كجريمة حرب، مطالبة بوقف فوري لإطلاق النار وفتح المعابر الإنسانية دون قيود، لضمان وصول المساعدات الغذائية والطبية إلى السكان المحتاجين. وحذرت المنظمة من أن أي تأخير في اتخاذ هذه الإجراءات سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، وزيادة نسبة الوفيات بين الأطفال وكبار السن والمرضى، ما يعكس خطورة الوضع الحالي على المدى القصير والطويل. كما شددت الأمم المتحدة على أن فتح المعابر الإنسانية ليس مجرد إجراء إغاثي، بل يمثل التزامًا قانونيًا وأخلاقيًا تجاه المدنيين الذين يُحاصرون ويعانون من نقص شديد في الموارد الأساسية، ويؤكد على ضرورة محاسبة المسؤولين عن أي تعطيل للمساعدات.
في المقابل، رفضت إسرائيل هذه التصريحات بشكل قاطع، معتبرة أن تقارير الأمم المتحدة حول المجاعة في غزة "مبنية على أكاذيب حماس" وتهدف إلى تشويه صورة الدولة الإسرائيلية على الساحة الدولية. وأكدت الحكومة الإسرائيلية أن المدنيين في القطاع يحصلون على المساعدات الأساسية، وأن أي تقرير يشير إلى مجاعة كارثية لا يعكس الواقع على الأرض، معربة عن استياءها من ما وصفته بمحاولات استغلال الأزمة الإنسانية لأهداف سياسية. ويأتي هذا الإنكار الرسمي في ظل توترات مستمرة بين إسرائيل والأمم المتحدة حول آليات وصول المساعدات وفرض قيود على المعابر الحدودية، وهو ما يعكس صراعًا أوسع على الرواية الإعلامية والحقوقية للأزمة.
ويؤكد هذا التباين بين الروايتين الرسمية والدولية على عمق الأزمة السياسية المحيطة بالإغاثة الإنسانية في غزة، ويطرح تساؤلات حول قدرة المجتمع الدولي على فرض معايير حماية المدنيين في مناطق النزاع، وضمان إيصال المساعدات دون تدخلات سياسية أو قيود من أي طرف.
هذا التصعيد يأتي في وقت تتزايد فيه التساؤلات الدولية حول فعالية الأمم المتحدة وقدرتها على إدارة الأزمات الإنسانية المعقدة، لاسيما في مناطق النزاع الطويلة مثل قطاع غزة. إذ تتصاعد الانتقادات الموجهة للمنظمة الأممية من قبل أطراف عدة، أبرزها الاتهامات الأمريكية المباشرة بالفساد والتقصير، كما أطلق السفير الأمريكي لدى إسرائيل تصريحات حادة تُلقي بالمسؤولية على الأمم المتحدة في ما وصفه "فشلها في إيصال المساعدات الغذائية إلى المدنيين".
وتعتبر هذه الاتهامات جزءًا من نقاش أوسع حول الشفافية والمصداقية في عمل المنظمات الدولية، ومدى قدرتها على حماية المدنيين وضمان حقوقهم الإنسانية في ظل النزاعات المسلحة. وتشير التحليلات الدبلوماسية إلى أن هذا الجدل قد يفتح الباب أمام مزيد من التوتر السياسي بين الأمم المتحدة والدول الكبرى، ويؤثر على التعاون الدولي في إدارة الأزمات الإنسانية في المنطقة، لا سيما مع استمرار الحصار الإسرائيلي على غزة وتزايد أعداد المدنيين المتضررين.
وعلى المستوى الإقليمي، يضع هذا الصدام بين السفير الأمريكي والمنظمة الدولية ضغطًا إضافيًا على الأطراف الإقليمية والدولية للبحث عن آليات فعّالة لضمان وصول المساعدات دون قيود، ما يجعل الأزمة الإنسانية في غزة ليست مجرد مسألة إنسانية، بل اختبارًا حقيقيًا لجدية المجتمع الدولي في الالتزام بالقانون الدولي الإنساني وحقوق المدنيين أثناء النزاعات المسلحة. كما يعكس هذا الموقف مدى تعقيد السياسة الدولية، حيث تتداخل الاعتبارات الإنسانية مع الحسابات السياسية والدبلوماسية، ما يزيد من صعوبة التوصل إلى حلول عاجلة وفعالة لتخفيف معاناة السكان في غزة.