يتضح من التحقيقات أن وكالة رويترز، رغم مكانتها العالمية، تتبع سياسات تحريرية محددة تحد من تغطيتها لمأساة غزة بشكل شامل. المصادر الداخلية للوكالة تشير إلى أن التركيز الإعلامي ينصب على الجانب الإسرائيلي، مع تقليل مساحة الأخبار المتعلقة بالضحايا الفلسطينيين، وهو ما يعكس توجها تحريريا يفرض قيودا على صياغة التقارير واختيار الكلمات.
تظهر هذه السياسة في تحديد مصطلحات معينة، مثل التقليل من استخدام كلمة "إبادة جماعية" أو "فلسطين"، ما يؤثر على طريقة فهم الجمهور للحقائق على الأرض. التحقيق الداخلي الذي أجرته الوكالة أظهر أن معظم الأخبار التي تناولت الضربات الإسرائيلية على غزة ركزت على التغطية الرسمية الإسرائيلية، مع تجاهل أو تقييد الإشارة إلى الانتهاكات المنهجية للمدنيين، وهو ما يخلق توازناً منحازاً في الرواية الصحفية.
المصادر ذكرت أيضا أن بعض الصحافيين حاولوا تحدي هذا النهج من خلال رسائل مفتوحة داخل الوكالة لرفع وعي زملائهم تجاه الحاجة لتغطية أكثر توازناً، لكنها لم تؤدِ إلى تغييرات جوهرية سريعة. نتائج هذه السياسات تظهر في البيانات التحليلية التي تشير إلى أن الأخبار المتعلقة بالضحايا الفلسطينيين نُشرت بعدد محدود جدا مقارنة بالأخبار الإسرائيلية، وهو ما يعكس معايير مزدوجة في تغطية الصراعات.
ويشير الخبراء إلى أن هذه الممارسات تؤثر على قدرة الجمهور على فهم حجم الأزمة الإنسانية في غزة، وتقلل من الضغط الدولي على الأطراف المسؤولة عن الانتهاكات. وفق موقع “ديكلاسيفايد” البريطاني، فإن القيود التحريرية وتفضيل الجانب الإسرائيلي في التغطية، أعاقت تقديم صورة واضحة للواقع الميداني، كما قللت من تغطية الانتهاكات الممنهجة للمدنيين، وحرمت الفلسطينيين من صوت إعلامي مؤثر.
في المحصلة، فإن سياسة رويترز التحريرية، بحسب المصادر، تعكس توجهاً يحصر التغطية ضمن إطار محدود يسمح بإظهار الأحداث بشكل موجه، مع التركيز على الرواية الإسرائيلية وتقليل الانتباه إلى الأضرار البشرية في غزة. هذه التوجهات تثير تساؤلات حول الموضوعية والحياد في تغطية الصراعات، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان.
يمكن اعتبار هذه الأسباب مؤشراً على الضغوط الداخلية والخارجية التي تواجه وكالات الأنباء الكبرى عند تغطية النزاعات، خاصة عندما تكون هناك مصالح سياسية أو اقتصادية تؤثر على صياغة الرسائل الإعلامية.