شهدت السليمانية تصاعداً أمنياً لافتاً بعد اعتقال رئيس حزب جبهة الشعب، لاهور شيخ جنكي، وعدد من أفراد عائلته، في عملية نفذت بقوة كبيرة، وأثارت مخاوف واسعة بين السكان المحليين والمراقبين السياسيين العملية أسفرت عن وقوع قتلى وجرحى، وأدخلت المدينة في حالة استنفار أمني، ما جعلها مؤشراً واضحاً على عمق الانقسامات داخل الأوساط السياسية والأمنية في إقليم كردستان.
الخلفيات التاريخية للصراع في السليمانية تعود إلى سنوات من التنافس بين قيادات الحزب الواحد، خصوصًا بين لاهور شيخ جنكي وبافل طالباني. الخلافات بين الطرفين لا تنحصر في السياسة فحسب، بل تشمل أبعادًا عائلية واجتماعية، حيث تجمع كل طرف شبكة نفوذ في مناطق مختلفة، وتمتلك قوة عسكرية وأمنية محسوبة على أطراف محددة. هذا الصراع المتداخل بين المصالح الشخصية والسياسية أدى إلى تراكم الاحتقان وتنامي التوترات قبل أن تتفجر في شكل مواجهة مسلحة مباشرة.
العملية الأمنية التي نفذت بأسلحة ثقيلة ومشاركة آلاف الجنود مدرعات ومعدات متقدمة، تعكس أن هناك أهدافًا أبعد من مجرد تنفيذ أمر قضائي. المراقبون يرون أن حجم القوة المستخدمة يعكس محاولة لإعادة ترتيب موازين النفوذ داخل الحزب وأجهزة الأمن، وتحقيق رسالة ردع واضحة تجاه أي تحركات مستقبلية للمعارضين داخل الإقليم. مشاركة قيادات بارزة في قيادة العملية شخصياً زادت من حدة الاحتقان وأشعلت مخاوف من تصعيد غير محسوب قد يمتد إلى مناطق أخرى.
العملية قد تؤدي إلى زيادة الانقسام الاجتماعي بين أنصار الأطراف المختلفة، وإضعاف الثقة في قدرة المؤسسات على إدارة النزاعات الداخلية، التوتر الحالي يمثل اختبارًا لقدرة أجهزة الدولة على ضبط النزاعات الداخلية وحماية المدنيين، خصوصًا مع وجود احتمالات استغلال هذا الخلاف من قبل قوى إقليمية ودولية تسعى إلى التأثير على المشهد المحلي لصالح مصالحها الخاصة.
الخبراء يؤكدون أن استمرار هذا التوتر بدون آليات تفاهم واضحة قد يخلق بيئة خصبة لتصعيد الصراع، وربما يؤدي إلى موجة من الاحتكاكات المتفرقة بين مؤيدي الأطراف المتنافسة، ما يضعف الاستقرار المحلي ويزيد من المخاطر على العملية السياسية في الإقليم.
كما أن عدم معالجة جذور الصراع سيؤدي إلى استمرار انقسامات طويلة الأمد بين الفصائل المختلفة، ويحد من فرص الحوار البناء بين القيادات السياسية.
على المستوى السياسي، يشير التحليل إلى أن الحلول الدائمة تعتمد على فتح قنوات تفاهم شاملة، تتضمن ترتيبات لتسوية الخلافات القديمة وإعادة بناء الثقة بين الأطراف معالجة الاحتقان السياسي والاجتماعي عبر الحوار المؤسسي قد يمنع تحول الصراع إلى أزمة أوسع تهدد الأمن الإقليمي والعراقي بشكل عام. كما أن اعتماد آليات قانونية واضحة لتنفيذ القرارات القضائية دون استخدام القوة المفرطة يعتبر خطوة أساسية لتفادي مزيد من التوترات.
يعكس الوضع الحالي في السليمانية مدى تعقيد الصراعات الداخلية بين القيادات الكردية، وكيف يمكن للعوامل التاريخية والعائلية والسياسية أن تتقاطع لتخلق أزمات أمنية مفاجئة. ويؤكد التحليل أن الحل الأمثل يكمن في موازنة القوة القانونية مع حوار سياسي هادئ، يتيح معالجة الانقسامات ويقلل من احتمالات تصعيد النزاعات في المستقبل، مع ضمان استقرار المنطقة وحماية المدنيين.