تستعد سوريا لخطوة غير مسبوقة منذ سنوات، بإصدار أوراق نقدية جديدة مع حذف صفرين من عملتها، في محاولة لإعادة استقرار الليرة السورية التي فقدت أكثر من 99% من قيمتها منذ اندلاع الحرب في 2011. ويأتي هذا الإجراء ضمن جهود الحكومة لمعالجة انهيار القوة الشرائية وتحسين القدرة على إدارة النقد في بلد عانى اقتصادياً وسياسياً لعقود طويلة.
شهدت الليرة السورية تدهورًا غير مسبوق، حيث وصل سعر صرف الدولار إلى نحو 10 آلاف ليرة مقابل 50 ليرة قبل الحرب. وتسبب الانخفاض الحاد في صعوبة كبيرة في المعاملات اليومية، حيث تضطر الأسر لحمل أكياس ضخمة من الأوراق النقدية لشراء أبسط مستلزمات الحياة. هذا الانهيار دفع الحكومة لتفكر في خطة شاملة لإصلاح العملة، لتسهيل التعامل المالي وتقليل حجم النقود المتداولة.
خطة الإصلاح وإجراءات المصرف المركزي:
أبلغ مصرف سوريا المركزي البنوك الخاصة بنيته إصدار عملة جديدة مع حذف صفرين من الليرة، في خطوة تهدف إلى تحسين الاستقرار النقدي وزيادة رقابة الحكومة على الأموال المتداولة. وقد تم الاتفاق على أن تتولى شركة "جوزناك" الروسية الحكومية طباعة الأوراق الجديدة، بعد زيارة وفد سوري لموسكو في يوليو/تموز الماضي. وتم توجيه البنوك لتجهيز أنظمتها للتعامل مع الأوراق الجديدة، مع فترة انتقالية مدتها 12 شهرًا لتداول الأوراق القديمة والجديدة حتى ديسمبر/كانون الأول 2026.
يحمل قرار تغيير العملة بعدًا سياسيًا مهمًا، إذ تظهر الأوراق الجديدة صور بشار الأسد ووالده حافظ الأسد، في دلالة رمزية على محاولة إعادة رسم ملامح الهوية النقدية بعد عقود من حكم العائلة. ويعتبر الاقتصادي كرم شعار أن هذه الخطوة تعكس تحولًا سياسيًا ضروريًا لإعادة هيكلة النظام المالي، رغم التحذيرات من احتمال ارتباك المستهلكين، خاصة كبار السن، بسبب التغيير المفاجئ.
يشير الخبراء إلى أن إعادة تقييم العملة بالكامل قد تكون مكلفة جدًا، وقد تصل تكلفة الإصلاح إلى مئات الملايين من الدولارات. كما أن تفاوت سيطرة الدولة على مناطق البلاد يخلق صعوبات في تنفيذ الإصلاح بشكل كامل. ويقترح بعض الخبراء إصدار فئات أعلى من الأوراق الحالية كحل بديل لتحقيق نفس الهدف من حيث تسهيل التعاملات النقدية وتقليل تكاليف الإصدار.
يأتي هذا الإصدار الجديد في سياق اقتصاد منهك بعد 14 عامًا من الصراع، وتحول سريع للاقتصاد السوري نحو الدولار، ما يبرز الحاجة الملحة لإجراءات حاسمة لإعادة الثقة بالليرة. تبقى التساؤلات حول قدرة هذه الخطوة على تحقيق الاستقرار المالي على المدى الطويل، وسط تحديات اقتصادية وسياسية معقدة، وما إذا كان الشعب السوري سيستقبل هذه التغييرات بالإيجاب أم بالتحفظ.