تصاعدت الضغوط الدولية على إسرائيل مع تدهور الوضع الإنساني في قطاع غزة، حيث دعت 28 دولة من بينها بريطانيا وفرنسا وألمانيا، إلى السماح الفوري للصحفيين الأجانب المستقلين بالدخول إلى القطاع، وتوفير الحماية للعاملين في وسائل الإعلام. البيان الصادر عن هذه الدول يأتي في وقت يشهد فيه القطاع حصاراً إعلامياً صارماً منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023، حيث لا يسمح للصحفيين بالدخول إلا برفقة الجيش الإسرائيلي ووفق قواعد رقابية عسكرية مشددة.
المجتمع الدولي يرى أن منع دخول الصحفيين يمثل انتهاكاً صارخاً لحرية الإعلام، ويقوض قدرة العالم على الاطلاع على حقيقة ما يحدث في القطاع، لا سيما في ظل تصاعد أعداد الضحايا المدنيين والدمار الشامل للبنية التحتية والخدمات.
أوضح البيان الصادر عن الدول الثمانية والعشرين أن الصحفيين يلعبون دوراً أساسياً في تسليط الضوء على الواقع المأساوي في غزة، وأن السماح لهم بالوصول إلى مناطق النزاع شرط أساسي لأداء هذا الدور بفعالية. وأضاف البيان أن "أي محاولة للحد من حرية الصحافة ومنع دخول الصحفيين أثناء النزاعات غير مقبولة"، مؤكداً أن سلامة الإعلاميين وحمايتهم يجب أن تكون أولوية، وأن الاستهداف المتعمد لهم أمر مرفوض دولياً.
وقد وقع على البيان دول مثل أستراليا والنمسا وبلجيكا وتشيلي والدنمارك وإستونيا وفنلندا وفرنسا وألمانيا وآيسلندا وأيرلندا وإيطاليا واليابان ولاتفيا وليتوانيا ولوكسمبورغ ونيوزيلندا والنرويج والبرتغال وسيراليون وسلوفاكيا وسلوفينيا والسويد وسويسرا وأوكرانيا وهولندا والمملكة المتحدة، كما انضمت كندا بعد نشر البيان. ولم تشارك الولايات المتحدة، رغم دورها القيادي في التحالف الدولي لدعم حرية الإعلام، وهو ما أثار بعض التساؤلات حول موقفها الرسمي من هذه المطالب.
منذ بداية الحرب، يُمنع غالبية الصحفيين الأجانب من دخول غزة إلا تحت حماية الجيش الإسرائيلي ووفق قيود مشددة تشمل الرقابة على التقارير والصور التي يتم نقلها. وقد أدى هذا الحصار الإعلامي إلى انقطاع المعلومات عن واقع القطاع، ما زاد من صعوبة توثيق الأحداث والتأكد من مصداقية الأخبار.
وأشار الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى مقتل ما لا يقل عن 242 صحفياً منذ بدء الحرب، وهو رقم غير مسبوق في أي صراع حديث، فيما تشير تقارير العفو الدولية إلى أن هذا العدد يمثل استهدافاً مباشراً وغير مسبوق للعاملين في الإعلام. وتتهم بعض التقارير الجيش الإسرائيلي بالمسؤولية المباشرة عن هذه الخسائر، بينما ينفي الجيش هذه الاتهامات، مؤكداً أن بعض القتلى كانوا مرتبطين بعناصر مسلحة.
القيود المفروضة على الصحفيين تعني أن معظم التغطية الإعلامية للقطاع تأتي من وسائل إعلام محلية أو عبر مقاطع مصورة يتم نشرها بعد مراجعتها من الجيش الإسرائيلي، مما يحد من القدرة على تقديم صورة دقيقة وموضوعية لما يحدث على الأرض.
الضغط الدولي لدخول الصحفيين الأجانب يتزامن مع أزمة إنسانية متفاقمة، تشمل نقص الغذاء والمياه والأدوية، وتدمير واسع للبنية التحتية الصحية والتعليمية والكهربائية. وقد حذرت الأمم المتحدة مراراً من أن القطاع يعيش على حافة كارثة إنسانية، مع وجود ملايين المدنيين الذين يعتمدون على المساعدات الدولية للبقاء على قيد الحياة.
الدول الموقعة على البيان أكدت أن حرية الصحافة والوصول إلى المعلومات جزء لا يتجزأ من الاستجابة الإنسانية، حيث أن توثيق الانتهاكات والحصول على معلومات دقيقة يساهم في تقديم مساعدات مستهدفة وفعالة، ويضع ضغوطاً على الأطراف المتصارعة للالتزام بالقوانين الإنسانية الدولية.
تصاعدت هذه الدعوات الدولية في وقت تحاول فيه إسرائيل موازنة الأمن القومي مع الضغوط الدولية المتزايدة لتخفيف القيود على الصحفيين. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أعلن سابقاً أنه أمر الجيش بتسهيل دخول عدد أكبر من الصحفيين الأجانب، لكنه لم يوضح ما إذا كان ذلك سيشمل الدخول بدون مرافقة عسكرية أو رفع القيود على الرقابة.
هذا المشهد يعكس التحديات السياسية والدبلوماسية المحيطة بقطاع غزة، حيث تتشابك الاعتبارات الأمنية مع حقوق الصحافة وحرية الإعلام، ويضع إسرائيل أمام اختبار دولي حول مدى التزامها بالقانون الدولي وحقوق الإنسان.
منذ عام 2007، يعاني قطاع غزة حصاراً متواصلاً، تصاعدت حدته مع اندلاع الحرب الأخيرة في أكتوبر 2023. في هذا السياق، كان الصحفيون المحليون والأجانب هدفاً مباشرًا للقصف والاعتقالات، بما يخلق بيئة محفوفة بالمخاطر لممارسة العمل الإعلامي. كما أن الحصار الإعلامي يمنع العالم من الحصول على صورة واضحة عن حجم الدمار والخراب الذي أصاب القطاع، ويحد من قدرة المنظمات الإنسانية على تقييم الوضع وتقديم الدعم اللازم.
تكرار حوادث استهداف الصحفيين يطرح أسئلة حول التزام الأطراف المتحاربة بالقانون الدولي الإنساني، خصوصاً مع ارتفاع عدد الصحفيين القتلى إلى مستويات غير مسبوقة. وفي الوقت نفسه، تسعى الدول الموقعة على البيان إلى الضغط على إسرائيل لضمان حرية الإعلام، ليس فقط من أجل الصحفيين، بل لضمان وصول المساعدات الإنسانية والمعلومات الدقيقة للمجتمع الدولي.
الدعوة الدولية للسماح للصحفيين الأجانب بالدخول إلى غزة تمثل ضغطاً متزايداً على إسرائيل لمراجعة سياساتها تجاه الإعلام خلال النزاعات. كما أنها تسلط الضوء على التوازن الدقيق بين الأمن القومي وحق الصحفيين في نقل الحقيقة بحرية وأمان. وفي ظل استمرار الأزمة الإنسانية وتصاعد عدد الضحايا، يصبح الدور الإعلامي أكثر حساسية وأهمية، حيث أن التغطية المستقلة وغير المقيدة هي الوسيلة الوحيدة لضمان محاسبة الأطراف المتحاربة ورفع مستوى الوعي الدولي تجاه معاناة المدنيين في غزة.