الإسرائيلي المختل عقليًا.. قصة اختفاء غامضة وإفراج غير متوقع

وكالة أنباء آسيا

2025.08.22 - 12:06
Facebook Share
طباعة

عاد المواطن الإسرائيلي صالح أبو حسين إلى بلاده بعد قضائه نحو عام في الأراضي اللبنانية، في حادثة أثارت تساؤلات واسعة حول ظروف اعتقاله، وغياب المعلومات الرسمية عن مكانه، ودلالاتها على واقع ملف الأسرى والمفقودين بين إسرائيل ولبنان. القصة، رغم بساطتها الظاهرية، تفتح نافذة لفهم ديناميكيات التوتر الحدودي والسياسة اللبنانية في التعامل مع المواطنين الإسرائيليين غير المتورطين في أنشطة عسكرية.

اعتقل الجيش اللبناني أبو حسين في يوليو 2024 عند حاجز حدودي في منطقة الناقورة، بعد أن عبر الحدود بشكل غير مقصود طلبًا للماء، قبل أن يُنقل إلى جهاز الأمن العام اللبناني للتحقيق. الرجل مختل عقليًا ويقيم في قرية رومانا البدوية بالقرب من الناصرة، وكان يعمل في تل أبيب، وفقًا لوسائل الإعلام الإسرائيلية، بما في ذلك "واي نت"، وهو ما يوضح أن اعتقاله كان إنسانيًا بقدر ما كان أمنيًا، ولا يمثل قضية عسكرية أو أمنية بالمعنى التقليدي.

الغريب في الحادثة أن العائلة لم تكن على علم بمكانه طوال فترة اعتقاله، واكتشفت تفاصيل الإفراج عنه فقط بعد عودته، مما يعكس الفجوة في التواصل بين السلطات والأسر. مصادر إعلامية كشفت أن الحكومة الإسرائيلية عملت على إعادته من خلال قنوات غير مباشرة ومنظمات دولية، دون تدخل رسمي مباشر من جانب لبنان، وهو ما أثار تساؤلات حول عدم إتمام أي تبادل رسمي أو إدراج الحادثة ضمن ملف الأسرى التقليدي بين البلدين.

التحليل الأمني والسياسي يشير إلى أن لبنان، عبر مؤسساته الأمنية، كان حريصًا على عدم تصعيد الموقف من خلال التعامل الرسمي مع إسرائيل في قضية أبو حسين، خصوصًا أنه لم يكن أسير حرب، ولم يثبت تورطه في أي نشاط أمني أو عسكري. الصليب الأحمر الدولي تابع القضية، وهو ما سمح بتسهيل الإفراج دون الحاجة إلى عملية تبادل معقدة، وهو ما يعكس موقفًا لبنانيًا حذرًا يسعى إلى الفصل بين القضايا الإنسانية والتوترات السياسية مع إسرائيل.

قوبل هذا الإجراء بانتقادات من بعض الأوساط اللبنانية. فقد اعتبرت "لجنة الأسرى والمحررين اللبنانيين" أن هذه الخطوة تشكل "خيانة فاضحة"، نظرًا لوجود 19 أسيرًا لبنانيًا في السجون الإسرائيلية لم يتم الإفراج عنهم.

كما أبدى نواب من حزب الله استياءهم من هذه الخطوة، مطالبين بالتحقيق في كيفية تسليم أبو حسين دون تحقيق استفادة للبنان.

في المقابل، إسرائيل استغلت قنوات دبلوماسية غير مباشرة لضمان عودة مواطنها، فيما لم يُعلن عن أي تبادل رسمي، كما لم يشمل الحادث أي مساومات سياسية أو أمنية. تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أكدت هذا التوجه، إذ رحب بالعودة ووصفها بأنها خطوة إيجابية وإشارة لما هو قادم، مع التأكيد على متابعة المؤسسات الأمنية لكشف كيفية عبوره الحدود، وحرصها على حماية المواطنين الإسرائيليين في حالات مشابهة مستقبلًا.

شهدت العلاقات بين إسرائيل ولبنان سلسلة من عمليات تبادل الأسرى على مر العقود، غالبًا بوساطة أطراف ثالثة مثل الصليب الأحمر الدولي أو وسطاء دوليين. هذه الاتفاقيات كانت تهدف لتخفيف التوتر على الحدود، وضمان الإفراج عن الأسرى العسكريين والمدنيين على حد سواء، وغالبًا ما كانت تتضمن مبادلة جثث الجنود أو الأسرى السياسيين.

من أبرز هذه الاتفاقيات كانت اتفاقية جُبريل عام 1985، حيث أفرجت إسرائيل عن أكثر من ألف أسير فلسطيني مقابل ثلاثة إسرائيليين أسروا في لبنان. كما شملت صفقة عام 2004 إطلاق سراح عشرات الأسرى اللبنانيين والفلسطينيين وتسليم رفات مقاتلين، مقابل استلام رفات جنود إسرائيليين كانوا قد أسروا سابقًا. وفي صفقة 2008، أفرجت إسرائيل عن خمسة أسرى لبنانيين ورفات نحو 200 مقاتل مقابل جثث جنديين إسرائيليين، في تبادل معقد مع حزب الله.

في المقابل، يظل الموقف اللبناني تجاه الحالات الفردية، مثل حالة صالح أبو حسين، أكثر حذرًا وتعقيدًا. أبو حسين لم يكن متورطًا في أي نشاط عسكري أو أمني ضد لبنان، وكان يعاني من اضطرابات عقلية، ما جعله حالة إنسانية بحتة لا تدخل ضمن ملفات الأسرى التقليدية. لبنان، عبر مؤسساته الأمنية، فضل عدم إدراج قضيته ضمن أي تبادل رسمي، حفاظًا على الفصل بين القضايا الإنسانية والسياسية، وتجنبًا لأي تصعيد محتمل مع إسرائيل.

بالإضافة إلى ذلك، لعب الصليب الأحمر الدولي دورًا محوريًا في متابعة قضية أبو حسين، مما أتاح الإفراج عنه دون الحاجة إلى صفقة تبادل رسمية. هذه الآلية انعكست على حرص لبنان على التعامل بحذر مع الحالات الإنسانية، وفصلها عن الملفات الأمنية والسياسية، وهو ما يفسر عدم حدوث تبادل رسمي في هذه الحادثة، رغم أنها تندرج ضمن نطاق الأسرى الإسرائيليين على الحدود. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 10