هل ينجح نتنياهو في تقسيم الضفة؟

أماني إبراهيم- وكالة أنباء آسيا

2025.08.22 - 11:20
Facebook Share
طباعة

تحوّلت المخططات الإسرائيلية إلى واقع ملموس على الأرض، يعكس رؤية حكومة نتنياهو لإعادة رسم الخريطة الفلسطينية بشكل يحقق السيطرة المطلقة على الأرض والسكان. المخطط الحالي لا يقتصر على إقامة المستوطنات أو إقامة نقاط تفتيش جديدة، بل يشمل تجزئة الضفة الغربية إلى قسمين منفصلين: شمالي وجنوبي، مع فرض قيود صارمة على الحركة والتنقل بينهما. هذه التجزئة تهدف إلى تفكيك النسيج الاجتماعي الفلسطيني، وفرض عزلة اقتصادية وديموغرافية تشبه إلى حد كبير تجربة غزة بعد الحصار المفروض منذ 2007.

 

مخططات نتنياهو لتقسيم الضفة الغربية إلى شمال وجنوب منفصلين، مع عشرات المستوطنات التي تعمل كـ"نقاط فصل"، تعكس استراتيجية إسرائيلية واضحة لإعادة رسم الخريطة الفلسطينية والسيطرة على الأرض والسكان. الواقع الجديد يفرض على المجتمع الدولي والإقليمي اتخاذ خطوات عاجلة لحماية الحقوق الفلسطينية ومنع تكرار تجربة غزة في قلب الضفة الغربية، قبل أن تصبح العزلة والفقر والسيطرة الإسرائيلية قاعدة ثابتة على الأرض.

 

ما يحدث في الضفة الغربية اليوم يحاكي تجربة غزة بعد حصار عام 2007. فكلاهما يهدف إلى فرض سيطرة شاملة على جميع جوانب الحياة: من الكهرباء والماء إلى الصحة والتعليم. وفي الحالتين، تؤدي هذه الاستراتيجية إلى عزلة اقتصادية واجتماعية شاملة، مما يحول المجتمع إلى كيان يعتمد على المساعدات الخارجية.


​بينما كانت اتفاقيات أوسلو قد قسمت الضفة إلى مناطق (أ، ب، ج) مع سيطرة إسرائيلية جزئية، فإن المخططات الحالية لنتنياهو تمثل مرحلة متقدمة من التجزئة. هذه المخططات تفرض سيطرة إسرائيلية كاملة على الطرق، المعابر، والمستوطنات، مما يجعل أي محاولة فلسطينية لإعادة الوحدة أو تحقيق التنمية الاقتصادية شبه مستحيلة. إنها استراتيجية منظمة لتحويل الضفة الغربية إلى مجموعة من المناطق المعزولة، كل واحدة منها منفصلة عن الأخرى.


التجزئة الجغرافية في الضفة الغربية: واقع معقد من العزل والسيطرة

تجزئة ممنهجة وتحديات يومية

منذ عام 1967، بدأت إسرائيل في إنشاء مستوطنات في المنطقة (ج) من الضفة الغربية، وارتفع عدد المستوطنات إلى 176 مستوطنة و186 بؤرة استيطانية بحلول عام 2023، يعيش فيها حوالي 726,000 مستوطن.

تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق (أ) و(ب) و(ج)

اتفاقات أوسلو قسمت الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق:

المنطقة (أ): تحت السيطرة الفلسطينية الكاملة.

المنطقة (ب): تحت السيطرة الأمنية الفلسطينية والإدارية الإسرائيلية.

المنطقة (ج): تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، وتشمل معظم المستوطنات والبؤر الاستيطانية.


هذا التقسيم أدى إلى تقسيم فعلي للضفة الغربية إلى جيوب معزولة، مما أثر على التنقل والاقتصاد والخدمات الأساسية.

 

 

الضفة الغربية لم تعد مجرد أراضٍ فلسطينية مقسمة إداريًا، بل تحولت إلى شبكة معقدة من الجيوب المنعزلة والمراقبة، بفعل مخططات إسرائيلية تهدف إلى عزل المناطق عن بعضها والسيطرة على الأرض والسكان. هذا الانقسام ليس مجرد فصل جغرافي، بل يمتد ليشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية، ويضع قيودًا صارمة على الحياة اليومية للفلسطينيين.

 

تقسم الضفة الغربية عمليًا إلى منطقتين رئيسيتين: الضفة الشمالية والضفة الجنوبية.

الضفة الشمالية تضم مدنًا رئيسية مثل نابلس وجنين وطولكرم. هذه المنطقة تتميز بكثافة سكانية أعلى نسبيًا وتعتمد اقتصاديًا على الزراعة والتجارة المحلية. إلا أن الحركة داخلها وخارجها محدودة بسبب شبكة نقاط التفتيش والطرق العسكرية التي تتحكم بها إسرائيل. أي انتقال إلى الضفة الجنوبية يتطلب تصاريح مسبقة، ما يحوّل التنقل إلى عملية بيروقراطية معقدة، ويؤثر مباشرة على التعليم والعمل والاقتصاد المحلي.

الضفة الجنوبية تشمل مدنًا مثل الخليل وبيت لحم وأريحا، وتتعرض لأعلى معدلات التدخل الأمني المباشر. تنتشر نقاط التفتيش بشكل مكثف على الطرق الرئيسية، وتفرض قيود صارمة على حركة المركبات والمشاة، ما يعيق الوصول إلى الأسواق والخدمات الحيوية. هذا الواقع يخلق فجوة كبيرة بين شمال الضفة وجنوبها، ويزيد من شعور الفلسطينيين بالعزلة والتحكم المستمر في حياتهم اليومية.


المستوطنات الإسرائيلية تلعب دورًا مركزيًا في هذا الانقسام. فهي ليست مجرد تجمعات سكنية، بل أدوات استراتيجية لتجزئة الأراضي الفلسطينية وفرض السيطرة. المستوطنات تعمل كنقاط فصل بين المدن والقرى الفلسطينية، وتساهم في إعادة تشكيل التركيبة الديموغرافية للمنطقة. قيود البناء المفروضة على المناطق المحيطة بالمستوطنات تمنع التوسع الطبيعي للمدن والقرى، مما يؤدي إلى تكدس سكاني في مناطق محددة، ويزيد الضغوط على البنية التحتية والخدمات العامة.

 

السيطرة الإسرائيلية على الطرق والبنية التحتية تجعل معظم الطرق الرئيسية غير متاحة للفلسطينيين إلا بتصاريح محددة، مما يعيق الوصول إلى الأراضي الزراعية ومصادر المياه والموارد الطبيعية. هذه القيود تؤثر مباشرة على الاقتصاد المحلي، حيث تتباطأ حركة التجارة، ويقل الإنتاج الزراعي بسبب صعوبة وصول المزارعين إلى أراضيهم، وتزداد تبعية الفلسطينيين للاقتصاد الإسرائيلي، ما يزيد معدلات البطالة ويحد من فرص التنمية المستقلة.

 

على الصعيد الاجتماعي والخدمات الأساسية، يواجه الفلسطينيون صعوبات كبيرة. المرضى يجدون صعوبة في الوصول إلى المستشفيات والعيادات، والطلاب والمعلمون يواجهون تحديات كبيرة للوصول إلى المدارس والجامعات، مما يؤثر على جودة التعليم ويحد من تطوير القدرات البشرية. بالإضافة إلى ذلك، تفرض هذه القيود عزلًا داخليًا على المجتمعات الفلسطينية، ما يضعف التواصل الاجتماعي والتماسك المجتمعي، ويجعل تنظيم الفعاليات المجتمعية أو العمل الجماعي أكثر صعوبة.

 

باختصار، التجزئة الجغرافية والقيود المفروضة على الحركة والخدمات لا تهدف فقط إلى السيطرة على الأرض، بل تسعى لإعادة تشكيل الحياة اليومية للفلسطينيين، وتحد من قدرتهم على بناء مجتمع متماسك ومستقل، وتعزز السيطرة الإسرائيلية على الجوانب الاقتصادية والديموغرافية والاجتماعية في الضفة الغربية.

 

 

نتنياهو نجح إلى حد كبير في فرض تقسيم جزئي على الضفة الغربية من خلال سياسة المستوطنات، الطرق المقيدة، ونقاط التفتيش المنتشرة بين الشمال والجنوب. هذه الإجراءات أعادت هندسة المناطق الفلسطينية، وعزلت المدن والقرى عن بعضها، ما جعل التنقل بين المناطق شبه مستحيل دون تصاريح إسرائيلية مسبقة.

إلا أن نجاحه الكامل يواجه عدة تحديات:
المقاومة الفلسطينية اليومية: الفلسطينيون يحافظون على شبكات تنسيق محلية، وينظمون احتجاجات ومبادرات مدنية تعيق السيطرة الإسرائيلية المطلقة على الحركة والحياة اليومية.

 

الضغوط الدولية: المجتمع الدولي، منظمات حقوق الإنسان، والدول الكبرى يرفضون التوسع الاستيطاني والسيطرة المطلقة على الضفة، ويصدرون بيانات وتقارير تضغط على إسرائيل دبلوماسيًا واقتصاديًا.

الضغوط الداخلية الإسرائيلية: المعارضة السياسية والتكاليف الأمنية والاجتماعية والسياسية تؤثر على قدرة الحكومة على تنفيذ مخططات التقسيم بشكل كامل.

 

نتنياهو نجح في تحقيق تقسيم ميداني وإداري جزئي للضفة الغربية، يعكس السيطرة الإسرائيلية على مناطق حيوية، لكنه بعيد عن تقسيم كامل ونهائي. عوامل المقاومة الفلسطينية والضغوط الدولية والداخلية تجعل تحقيق السيطرة المطلقة شبه مستحيلة، ما يحول الضفة إلى شبكة من المناطق المنعزلة جزئيًا، دون القضاء على قدرة الفلسطينيين على التواصل أو المقاومة. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 4