كيف يوظّف نتنياهو وزراء اليمين المتطرف لإفشال أي صفقة مع حماس

وكالة أنباء آسيا

2025.08.22 - 09:13
Facebook Share
طباعة

مسرح سياسي متوتر خلف الكواليس

تؤكد صحيفة هآرتس أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتعامل مع ملف المفاوضات مع حركة "حماس" بطرق ملتوية، إذ يعمل على تشجيع وزراء اليمين المتطرف، وعلى رأسهم إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، لتعطيل أي تقدم في المفاوضات الجارية بشأن الأسرى ووقف إطلاق النار.
المشهد الذي تصفه الصحيفة لا يبدو سوى دوران في دائرة مغلقة؛ فبينما تتسارع الأحداث بشكل غير مسبوق على المستوى الأمني والسياسي، تغيب الرؤية الإستراتيجية الموحدة، ما يكرّس حالة التخبط داخل مؤسسات القرار الإسرائيلي.

 

الوسطاء والصفقة المجهضة

بحسب هآرتس، فإن الجيش الإسرائيلي تعامل بإيجابية مع الصيغة التي قدّمها الوسطاء الدوليون مؤخراً، واعتبرها تطويراً مقبولاً للخطة السابقة التي وضعها مبعوث الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب، ستيف فيتكوف. هذه الخطة، لو طُرحت في وقتها، لكانت حظيت بترحيب واسع في أوساط المؤسسة الأمنية، التي ترى أن استعادة الأسرى وتهدئة الأوضاع أولوية وطنية.

 

لكن نتنياهو، الذي بدا في مرحلة معينة منفتحاً على الصفقة، غيّر موقفه فجأة، ليشترط إبرام "صفقة شاملة وكاملة"، من دون تقديم أي تفسيرات. هذه الخطوة اعتُبرت من قبل مراقبين جزءاً من تكتيك المماطلة الذي يوظّفه رئيس الوزراء لإطالة أمد الحرب، في وقت يستخدم فيه وزراء اليمين المتطرف لتصعيد الخطاب الشعبوي المناهض لأي اتفاق.

 

تهميش الملف وتضليل الرأي العام

تكشف الصحيفة أن ملف الأسرى لم يعد يُدار عبر قنوات مؤسسية، حيث تم تهميش فرق العمل الرسمية التي كانت مكلفة بهذا الملف. ولم يعد أحد داخل الحكومة على علم بمجريات المفاوضات باستثناء وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، المقرب من نتنياهو. هذا التعتيم يضاعف حالة الغضب داخل الشارع الإسرائيلي، خاصة بين أهالي الأسرى الذين شعروا بتفاؤل عابر هذا الأسبوع قبل أن تتلاشى آمالهم مجدداً.


وتذهب هآرتس إلى أن نتنياهو لا ينوي الذهاب نحو أي صفقة إلا إذا أجبره الضغط الأمريكي المباشر، خصوصاً أن ترامب – الذي يراهن نتنياهو على عودته إلى البيت الأبيض – لا يزال يوفر له غطاءً سياسياً كاملاً.

 

استعراضات داخلية تكشف التناقضات

ترافق هذه المراوغات مع موجة من التصريحات والمواقف التي يصفها مراقبون بأنها "استعراضية أكثر من كونها عملية". وزيرة المواصلات ميري ريغف غادرت إسرائيل إلى الولايات المتحدة في زيارة طويلة تاركة أزمة متفاقمة في قطاع السكك الحديدية، بينما حرص وزير الخارجية جدعون ساعر على الترويج لإنجاز دبلوماسي رمزي برفع العلم الإسرائيلي في زامبيا.


أما وزير الدفاع إسرائيل كاتس فأعلن خطة جديدة للسيطرة على مدينة غزة أطلق عليها اسم "مركبات جدعون 2"، وهو ما بدا تناقضاً صارخاً، إذ اعترف في الوقت نفسه بحاجة الجيش لعملية جديدة رغم أنه كان قد تحدث سابقاً عن "الحسم العسكري". هذه التناقضات تعكس عجز الحكومة عن بلورة رؤية متماسكة لإدارة الحرب.


نتنياهو وصفقات الأسرى عبر العقود

المشهد الحالي يعيد إلى الأذهان نهج نتنياهو التاريخي في التعامل مع ملف صفقات الأسرى. فخلال صفقة "شاليط" عام 2011، كان نتنياهو قد واجه ضغوطاً مماثلة من المؤسسة العسكرية والرأي العام، قبل أن يرضخ في النهاية لصفقة تبادل ضخمة مع "حماس". ومنذ ذلك الحين، درج على استخدام ورقة الأسرى كأداة مساومة سياسية داخلية وخارجية.


اليوم، يبدو أن نتنياهو يوظف الاستراتيجية ذاتها، مع فارق أساسي: الاعتماد بشكل أكبر على وزراء اليمين المتطرف لعرقلة أي صفقة، بما يتيح له التملص من المسؤولية المباشرة، وفي الوقت ذاته الظهور أمام الجمهور وكأنه "المتشدد الأخير" الحريص على أمن إسرائيل.

 


يتزامن هذا السلوك مع تصاعد التوترات الإقليمية، إذ تحذر تقارير أمنية إسرائيلية من أن استمرار الحرب في غزة من دون أفق سياسي قد يؤدي إلى فتح جبهات أخرى مع "حزب الله" في لبنان أو حتى مع إيران. كما أن تعطيل المفاوضات يضعف موقف إسرائيل أمام الوسطاء الدوليين، خاصة قطر ومصر، اللتين تواصلان لعب دور مركزي في مساعي التهدئة.
وفي المقابل، يواجه نتنياهو معضلة داخلية: كيف يستمر في إدارة الحرب لكسب الوقت سياسياً من دون أن ينهار تحالفه الحكومي أو يثور الشارع الإسرائيلي الذي يزداد ضيقاً من الخسائر المستمرة وغياب أي أفق لإنهاء الصراع.

 

ما تكشفه هآرتس ليس مجرد تفاصيل عن مشاورات مغلقة، بل يعكس صورة أوسع عن طبيعة إدارة نتنياهو للأزمة. فهو يوظف وزراء اليمين المتطرف كأدوات لإفشال أي مسار تفاوضي، فيما يواصل إيهام الداخل والخارج بأنه منفتح على الحلول. النتيجة النهائية هي حلقة مفرغة: لا حسم عسكري حقيقي، ولا انفراج سياسي، بل مزيد من الاستنزاف الذي يضع إسرائيل أمام معادلة أكثر خطورة داخلياً وإقليمياً.


 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 7