بعد أسابيع من التهديدات بتوسيع العمليات العسكرية في غزة، صعد المسؤولون الإسرائيليون خطابهم عبر الإعلان المتكرر عن خطة للسيطرة على المدينة الجيش ومجلس الوزاري الأمني، ووزير الدفاع إسرائيل كاتس أعلنوا موافقتهم، بينما ينتظر أن يُضفي نتنياهو الطابع الرسمي على الخطوة خلال لقاء عسكري في المقابل، ما زال الالتباس قائمًا حول ما إذا كانت هذه الموافقات ترجمة عملية لتحرك ميداني، أم مجرد توظيف سياسي ودعائي.
وكالة رويترز نقلت عن متحدث عسكري أن العملية بدأت بالفعل، لكن التصريحات ذاتها تحدثت عن “المرحلة الثانية” من عملية قائمة منذ أشهر، يوضح أن ما يجري ليس هجومًا شاملًا بقدر ما هو تكثيف محدود للأنشطة العسكرية، مكتب نتنياهو أضاف غموضًا جديدًا عندما أعلن عن تسريع خطط زمنية لغزو غزة دون تحديد ما إذا كان القرار نهائياً أو مجرد ورقة ضغط.
هذا الالتباس يرتبط بمشهد داخلي إسرائيلي مأزوم الانقسام الشعبي بات أوضح من أي وقت مضى مع خروج نحو 400 ألف متظاهر مطالبين بوقف إطلاق النار وإطلاق الأسرى، فيما يتمسك اليمين المتطرف في الائتلاف الحكومي بمطلب احتلال كامل غزة وإعادة الاستيطان فيها، ملوحين بالانسحاب من الحكومة إذا تم التوصل إلى هدنة هذه الضغوط تجعل نتنياهو محاصرًا بين استمرار المفاوضات غير المباشرة مع حماس عبر الوسطاء من جهة، وبين ابتزاز حلفائه السياسيين من جهة أخرى.
المشهد لا ينفصل عن مسار التفاوض حماس أعلنت قبولها بمقترح هدنة يمتد 60 يومًا يشمل إطلاق أسرى إسرائيليين على دفعات، بينما تتباطأ الحكومة الإسرائيلية في الرد الرسمي، ما أدى إلى تأجيل اجتماعات حساسة لمجلس الوزراء الأمني هذه المماطلة تُفسر لدى بعض المراقبين بأنها تكتيك لإبقاء الضغط على حماس وتحسين شروط الصفقة، بينما يراها آخرون انعكاسًا لرغبة نتنياهو في إطالة أمد الحرب، هروبًا من أزماته الداخلية والقضائية.
التحركات العسكرية الميدانية في غزة تبدو جزءًا من لعبة سياسية مركبة أكثر من كونها خطوة استراتيجية محسوبة. بعض المحللين الإسرائيليين يؤكدون أن أي هجوم واسع لن يحقق مكاسب عسكرية حاسمة، بل سيضاعف الكلفة الإنسانية ويُفاقم عزلة إسرائيل دبلوماسيًا، خصوصًا أن المجتمع الدولي يرى أن أي اجتياح جديد لن يكون سوى كارثة إضافية على سكان القطاع.
القضية الإنسانية تبقى أكثر ما يقلق المؤسسة الأمنية نفسها. مصير الأسرى الإسرائيليين في غزة يشكل عبئًا على أي قرار بتصعيد العمليات، إذ إن أي هجوم شامل قد يهدد حياتهم، ما يزيد من الضغوط الشعبية على القيادة السياسية بالتوازي، يظل الضغط الدولي حاضرًا، حيث ينظر المراقبون إلى أن إسرائيل تتلاعب بخطاب الحرب والسلام من أجل كسب الوقت أو فرض وقائع سياسية، في حين يبقى الواقع الميداني على الأرض أكثر تعقيدًا من مجرد إعلان أو تهديد.
السيناريو الحالي يوضح أن ما يجري لا يعكس قرارًا حاسمًا باجتياح غزة، بقدر ما هو مزيج من الدعاية السياسية والتكتيكات المرحلية، في ظل مأزق استراتيجي يعيشه نتنياهو بين الداخل الإسرائيلي الممزق والضغط الخارجي المتصاعد، ما يجعل كل خطوة عسكرية مجرد محاولة لتأجيل المواجهة مع استحقاقات أكبر لم يعد بالإمكان تجاوزها.