من اللجوء إلى الإسهام: السوريون يصنعون فارقاً في ألمانيا

رزان الحاج

2025.08.21 - 04:09
Facebook Share
طباعة

 خلال أقل من عقد، تحوّل السوريون في ألمانيا من أكبر موجات اللجوء في أوروبا إلى إحدى أكثر الجاليات تأثيراً في الاقتصاد والمجتمع الألماني. ورغم التحديات التي واجهوها في بدايات وصولهم، برزت قصص نجاح لافتة تعكس التحولات العميقة في واقعهم ودورهم داخل البلاد.


منذ عام 2013، استقبلت ألمانيا مئات الآلاف من السوريين الهاربين من الحرب، في خطوة أثارت جدلاً واسعاً داخلياً وأوروبياً، لكنها شكّلت أيضاً رافداً بشرياً واقتصادياً مهماً. اليوم، تشير التقديرات إلى أن نحو ثلثي السوريين الذين لجؤوا إلى ألمانيا خلال الفترة الممتدة بين 2013 و2019 أصبحوا جزءاً من سوق العمل، كما حصل أكثر من 83 ألف شخص على الجنسية الألمانية في عام واحد فقط، ليشكّلوا بذلك أكبر جالية متجنسة.


هذا التحول لم يكن سهلاً؛ فالكثير من اللاجئين وصلوا مثقلين بذكريات الحرب وتجارب النزوح المتكررة، إضافة إلى تحديات اللغة والمهارات. ومع ذلك، سرعان ما بدأت مسارات الاندماج بالظهور. بعضهم التحق ببرامج التدريب المهني، وآخرون أسسوا مشاريع ناشئة في مجالات مختلفة، ما ساعد في توفير فرص عمل جديدة ليس فقط للاجئين بل أيضاً للألمان أنفسهم.


الأثر الاقتصادي للهجرة السورية يتجاوز الأرقام الفردية. فمع ارتفاع نسبة كبار السن في ألمانيا، تحتاج البلاد إلى نحو 400 ألف عامل جديد سنوياً للحفاظ على قوة سوق العمل. هنا يبرز دور اللاجئين الشباب الذين دخلوا سوق العمل بسرعة، وأصبحوا دافعي ضرائب يسهمون في تخفيف أعباء أنظمة التقاعد والرعاية الاجتماعية. وتشير تقديرات اقتصادية إلى أن كل مهاجر جديد يمكن أن يضيف آلاف اليوروهات إلى خزينة الدولة على المدى الطويل.


لكن مسار الاندماج لم يكن خالياً من العثرات. فقد اتخذت السلطات في البداية قرارات أعاقت مشاركة اللاجئين في سوق العمل، كما أن توزيعهم في مناطق ريفية قلّل من فرصهم في التعلم والتوظيف. إلى جانب ذلك، أسهمت الخطابات السياسية المشحونة في تأجيج مشاعر معارضة للهجرة، خصوصاً مع صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة، التي استغلت المخاوف الاقتصادية والاجتماعية لزيادة نفوذها.


رغم ذلك، تستمر قصص النجاح في رسم صورة مختلفة. بعض السوريين وصلوا إلى مواقع بارزة، مثل رئاسة بلديات صغيرة في ولايات ألمانية، أو تأسيس شركات تقنية ناشئة، أو الاندماج في مؤسسات حكومية ومجتمعية. وفي المقابل، نجحت أجيال جديدة من أبناء اللاجئين في الالتحاق بالجامعات الألمانية في مجالات الطب والهندسة والعلوم، ما يعكس انتقالاً تدريجياً من مرحلة اللجوء إلى مرحلة المشاركة الكاملة في المجتمع.


المشهد العام يعكس توازناً دقيقاً بين التحديات والفرص. فبينما تتصاعد الضغوط السياسية لخفض الهجرة وتقييدها، يظهر الواقع الاقتصادي والاجتماعي حاجة ماسة إلى هذه الطاقات الجديدة. السوريون في ألمانيا باتوا مثالاً على قدرة اللجوء، رغم صعوباته، على التحول إلى رافعة اقتصادية وبشرية، إذا ما توفرت ظروف الاندماج والدعم المناسب.


ورغم التوترات والجدل المستمر، يبدو أن مساهمة السوريين في ألمانيا تثبت يوماً بعد يوم أن قصص النزوح لا تنتهي بالمعاناة فقط، بل يمكن أن تتحول إلى بدايات جديدة تبني جسوراً بين الشعوب وتعيد رسم ملامح المستقبل.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 1