قافلة إنسانية تتحول إلى ورقة مساومة

سامر الخطيب

2025.08.21 - 03:55
Facebook Share
طباعة

 شهدت محافظة درعا خلال الأيام الماضية واحدة من أكثر الحوادث الإنسانية إثارة للجدل، بعد اختطاف قافلة إغاثية كانت في طريقها إلى السويداء، واحتجاز سبعة من ناشطي العمل الإنساني. وبعد تسعة أيام من الغموض والقلق، تم الإعلان عن الإفراج عن المختطفين ووصولهم إلى دمشق، وسط ارتياح أهاليهم ومخاوف متجددة من تكرار هذه الظاهرة التي باتت تؤثر بشكل مباشر على الأمن المجتمعي والعمل الإنساني.


خلفية الحادثة
بدأت القصة في 13 آب، حينما كانت قافلة محملة بالمساعدات الإنسانية متجهة من مدينة جرمانا في ريف دمشق إلى محافظة السويداء، بعد الحصول على الموافقات الرسمية. الهدف من القافلة كان إيصال الدعم للأهالي المتضررين جراء الأوضاع المعيشية والاشتباكات الدائرة هناك.


لكن قبل وصولها إلى معبر بصرى الشام، اعترضتها مجموعة مسلحة مجهولة الهوية، نصبت كميناً للقافلة، صادرت محتوياتها من مواد إغاثية، واحتجزت عدداً من المرافقين والسائقين، بينهم ناشطون معروفون في مجال العمل الإنساني مثل عابد أبو فخر، فداء عزام، ويامن ورضوان الصحناوي.


المجموعة الخاطفة، وفق مصادر محلية، حاولت استثمار الحادثة للمطالبة بمقايضة هؤلاء الناشطين بعدد من الأسرى لدى فصائل محلية في السويداء، ما أضفى على الحادثة طابعاً سياسياً وأمنياً يتجاوز مجرد اعتداء جنائي.


جهود الإفراج
بعد أيام من المفاوضات والتحركات الأمنية، أعلنت وزارة الداخلية السورية في 21 آب عن "تحرير" الناشطين المختطفين. وأشارت إلى أن العملية جرت تحت إشراف قادة الأمن الداخلي في درعا والسويداء، وأن الناشطين نُقلوا إلى دمشق ثم جرى تسليمهم إلى ذويهم.


الصور التي وثّقت لحظة وصولهم أظهرت حالة من التعب والإنهاك بعد أيام من الاحتجاز، لكن مصادر طبية أكدت أنهم بخير.


خطف متكرر يهدد الاستقرار
لم تكن هذه الحادثة معزولة، إذ سبقتها وتزامنت معها عمليات خطف مشابهة في درعا والسويداء. ففي 17 آب، اختُطفت حافلة صغيرة تقل ثمانية ركاب، معظمهم من النساء، أثناء توجههم نحو السويداء عبر المعبر الإنساني في بصرى الشام. كما سبق أن تم خطف عاملين في "الدفاع المدني" في تموز الماضي ولا يزال مصير بعضهم مجهولاً.


تكرار هذه الحوادث يعكس هشاشة الوضع الأمني في الجنوب السوري، خاصة على الحدود الإدارية بين المحافظتين، حيث تتوزع السيطرة بين قوى أمنية رسمية وفصائل محلية مسلحة، إضافة إلى وجود مجموعات غير منضبطة تعمل لأهداف اقتصادية أو سياسية.


انعكاسات على العمل الإنساني
حادثة الاختطاف الأخيرة شكلت رسالة سلبية للعاملين في المجال الإغاثي. فالقوافل الإنسانية، التي يفترض أن تكون محمية بحكم طبيعتها المحايدة، باتت عرضة للاستهداف، وهو ما قد يدفع منظمات محلية ودولية إلى إعادة النظر في نشاطاتها في هذه المناطق.


كما أصدرت شبكات أهلية في جرمانا تعميمات تطالب شركات النقل بإيقاف الرحلات إلى السويداء بسبب "تكرار الاعتداءات على الحافلات"، ما يعني أن الأمر لم يعد مجرد قضية إغاثية، بل مسألة تمس الحياة اليومية للمدنيين وتنقلهم.


تطرح هذه الحوادث عدة تساؤلات حول دور القوى الأمنية المنتشرة في الجنوب، وقدرتها على ضبط الطريق الحيوي بين دمشق والسويداء. فبينما تشير البيانات الرسمية إلى متابعة دقيقة، يلمس السكان على الأرض ضعف الاستجابة عند وقوع الكمين أو الخطف، الأمر الذي يترك فراغاً تستغله المجموعات المسلحة.


إضافة إلى ذلك، تكشف هذه الحوادث عن واقع معقد يتداخل فيه البعد السياسي بالاقتصادي. فعمليات الخطف غالباً ما تُستخدم كورقة ضغط للتفاوض، سواء للإفراج عن أسرى أو لتحقيق مكاسب مالية. وهذا ما يهدد بتحويل الجنوب السوري إلى ساحة مفتوحة للابتزاز والفوضى الأمنية، خصوصاً مع استمرار إغلاق الطريق الرئيسي بين دمشق والسويداء واعتماد الأهالي على "المعبر الإنساني" في بصرى الشام كبديل محفوف بالمخاطر.


الإفراج عن ناشطي الإغاثة السبعة شكّل نهاية سعيدة لحادثة مؤلمة استمرت تسعة أيام، لكن جذور المشكلة ما تزال قائمة. فاستمرار خطف المدنيين والعاملين الإنسانيين في درعا والسويداء لا يمثل فقط تهديداً مباشراً لأمن الأفراد، بل يضعف الثقة بالعمل الإغاثي، ويعمّق معاناة الأهالي الذين يعتمدون على هذه القوافل.


الحل لا يكمن في تحرير المخطوفين بعد وقوع الحوادث فحسب، بل في معالجة الأسباب العميقة للفوضى الأمنية، وتعزيز حماية الطرق الحيوية، وضمان حيادية العمل الإنساني. وإلا ستظل كل قافلة مساعدات مرشحة لأن تكون هدفاً جديداً، في مشهد لا يخدم سوى من يسعى لتأزيم الجنوب السوري أكثر.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 4