السوريون يحيون ذكرى مجزرة الغوطة الكيميائية

سامر الخطيب

2025.08.21 - 12:00
Facebook Share
طباعة

 أحيت مساجد دمشق وريفها صباح اليوم الخميس، الذكرى السنوية لمجزرة الغوطة الكيميائية عبر رفع التكبيرات الجماعية عبر مكبرات الصوت في المآذن، في مشهد جمع بين الحزن والوفاء لضحايا أحد أعنف الهجمات الكيميائية في تاريخ سوريا الحديث. وشهدت الجوامع في العاصمة ومحيطها صدى التكبيرات التي تزامنت مع مرور اثني عشر عامًا على الهجوم، في لحظة تضامنية رمزية مع العائلات التي فقدت أبناءها.


يأتي هذا التذكير في ظل استمرار المجتمع الدولي في متابعة ملف الأسلحة الكيميائية في سوريا، واعتباره من أبرز الانتهاكات التي شهدتها البلاد منذ اندلاع الصراع عام 2011. ويأتي إحياء الذكرى أيضًا في مرحلة انتقالية حساسة، حيث يولي القانون الدولي والجهات الإنسانية أهمية كبيرة لتحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن استخدام هذه الأسلحة ضد المدنيين.


تفاصيل الهجوم الكيميائي في الغوطة
في ليلة 21 أغسطس 2013، نفذت قوات النظام السوري أربع هجمات متزامنة بأسلحة كيماوية على الغوطة الشرقية والغوطة الغربية، بما في ذلك بلدة معضمية الشام. وقد استخدمت الصواريخ المحملة بغاز السارين، والتي يُقدَّر حجمها الإجمالي بحوالي 200 لتر، في هجمات أظهرت تخطيطًا دقيقًا لاستهداف المدنيين أثناء نومهم. وكان من بين الضحايا عدد كبير من الأطفال والنساء، ما يعكس النية المبيتة لاستهداف أكبر عدد ممكن من السكان.


وساهم الحصار المفروض على الغوطة منذ نهاية عام 2012، ومنع دخول الوقود والمستلزمات الطبية، في تفاقم الأزمة الإنسانية وزيادة عدد الضحايا. وقد أظهرت الإحصاءات أن الهجوم أسفر عن وفاة 1144 شخصًا نتيجة الاختناق، منهم 1119 مدنيًا بينهم 99 طفلًا و194 امرأة، بالإضافة إلى 25 مقاتلًا من المعارضة. كما أصيب حوالي 5935 شخصًا بأعراض اختناق ومشكلات تنفسية. وتشير البيانات إلى أن هذا الهجوم يمثل نحو 76% من إجمالي ضحايا الهجمات الكيميائية في سوريا منذ بداية استخدام الأسلحة الكيميائية في ديسمبر 2012 وحتى آخر هجوم موثق في مايو 2019.


سجل الهجمات الكيميائية في سوريا
وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تنفيذ 222 هجومًا كيميائيًا منذ 23 ديسمبر 2012 وحتى أغسطس 2024، كان النظام السوري مسؤولًا عن نحو 98% منها، في حين نفذ تنظيم "داعش" نحو 2%. أسفرت هذه الهجمات عن مقتل 1514 شخصًا، منهم 1413 مدنيين بينهم 214 طفلًا و262 امرأة، بالإضافة إلى إصابة 11080 شخصًا، وتشمل الضحايا أيضًا مقاتلين وأسرى.


تشير التقارير إلى أن تنفيذ الهجمات استلزم قدرات فنية ولوجستية عالية، ما يعكس تورط قيادة النظام السوري بشكل مباشر، بموافقة ومسؤولية واضحة من أعلى مستويات السلطة، بما في ذلك مؤسسات الجيش والمخابرات ومراكز البحوث العسكرية.


آثار الهجوم المستمرة
لا تزال آثار الهجمات الكيميائية على الغوطة حاضرة، إذ يعاني العديد من الناجين من أمراض مزمنة في الجهاز التنفسي والقلب، واضطرابات نفسية تشمل القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، إضافة إلى عيوب خلقية لدى الأطفال الذين وُلد آباؤهم أو أمهاتهم أثناء أو بعد الهجوم. كما أدت هذه الهجمات إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية نتيجة فقدان المعيل وانخفاض القدرة الإنتاجية.


التوصيات القانونية والإنسانية
تشدد الجهات الحقوقية على ضرورة اتخاذ إجراءات قانونية فعالة لمحاسبة المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيميائية، بما في ذلك الانضمام إلى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وتقديم طلب قبول اختصاص المحكمة للنظر في الجرائم المرتكبة منذ 2011. كما يُوصى بإصدار تشريعات وطنية لتعزيز محاسبة المسؤولين، وإنشاء مكتب وطني للتعاون القضائي الدولي وحفظ الأدلة، وتوفير حماية للضحايا والشهود.


إلى جانب المحاسبة القانونية، هناك حاجة ماسة إلى برامج شاملة لتعويض الضحايا ماديًا ومعنويًا، تتضمن العلاج الطبي المتخصص، والدعم النفسي، وإعادة التأهيل، ورعاية الأطفال المتأثرين.


كما يلعب التوعية المجتمعية دورًا مهمًا في منع تكرار مثل هذه الجرائم، من خلال إدراجها ضمن المناهج التعليمية ووسائل الإعلام، وإنشاء مراكز توثيق متخصصة لتسجيل الهجمات وآثارها، مع وضع آليات للوقاية المبكرة ونظام مراقبة فعال للأسلحة، بالتوازي مع دور منظمات المجتمع المدني في الرقابة والمساءلة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 2