ارتفعت حدة التوتر في الحرب الروسية – الأوكرانية مع تصريحات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي دعا واشنطن إلى تبني موقف أكثر صرامة إذا لم يبدِ الكرملين استعدادًا للحوار. وتأتي هذه الرسائل في وقت تكشف فيه التقارير الميدانية عن تعزيزات عسكرية روسية كبيرة في جبهة زابوريجيا، فيما يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى دفع مسار دبلوماسي جديد قد يغير قواعد اللعبة.
أكد زيلينسكي أن القوات الروسية نقلت وحدات عسكرية من اتجاه كورسك إلى زابوريجيا، معتبرًا أن "العدو يرسخ وجوده" في المنطقة. وتُعد زابوريجيا من أهم الجبهات الاستراتيجية؛ فهي ليست فقط ممراً حيوياً لربط الشرق الأوكراني بالقرم، بل تمثل أيضاً ورقة ضغط سياسية بعد إعلان موسكو ضمها.
هذا التحرك يعزز المخاوف في كييف من نية روسيا فتح جولة قتال أوسع، بما يمنحها أوراقًا إضافية قبل أي مفاوضات مقبلة.
منذ عودته إلى البيت الأبيض، يحاول ترامب إظهار نفسه كوسيط قادر على "وقف الحرب التي عجزت الإدارات السابقة عن إنهائها". فقد التقى بوتين في ألاسكا ضمن أجواء وُصفت بالعملية والبراغماتية، قبل أن يستضيف زيلينسكي وعددًا من القادة الأوروبيين في واشنطن.
المحادثات تدور حول احتمال عقد لقاء ثنائي بين بوتين وزيلينسكي، أو قمة ثلاثية تجمع ترامب بالطرفين. غير أن العقبة الأساسية تكمن في موقف كييف التي تخشى أن تتحول المفاوضات إلى فرض تسويات على حساب أراضيها.
إحدى المقترحات المطروحة لعقد المفاوضات هي مدينة بودابست، وهو خيار يعكس دور هنغاريا التي سعت في الأشهر الأخيرة إلى لعب دور "جسر" بين موسكو وبروكسل. غير أن هذا الطرح يواجه معارضة أوكرانية صريحة، إذ ترى كييف أن هنغاريا أقرب إلى الموقف الروسي. في المقابل، تطرح بولندا نفسها كطرف أكثر قبولاً لاستضافة أي لقاء، نظرًا لقربها الجغرافي وموقفها المتشدد ضد موسكو.
بالنسبة لأوكرانيا، فإن أي لقاء مع بوتين من دون ضمانات أميركية وأوروبية قد يُنظر إليه كتنازل سياسي خطير. زيلينسكي يلوّح بـ"الرد الأميركي القوي" لتأكيد أن بلاده لن تدخل محادثات تحت ضغط ميداني. لكن المعادلة معقدة: فالتصعيد الروسي في زابوريجيا يهدد بتغيير موازين القوة، فيما يواجه الغرب انقسامًا داخليًا حول حجم الدعم العسكري والمالي لكييف.
مع دخول الحرب عامها الرابع، لا تزال أوكرانيا تراهن على تحالفها الغربي لصد موسكو ومنع تثبيت واقع جديد على الأرض. وفي حين يطرح ترامب مساراً تفاوضياً عنوانه "صفقة كبرى"، تبدو العقبات على الأرض وفي العواصم الأوروبية أكثر تعقيدًا من مجرد اتفاق شكلي.
التاريخ القريب يثبت أن أي محاولة لتسوية من دون معالجة ملف الأراضي والحدود مصيرها الفشل، ما يعني أن الحرب مرشحة لمزيد من الاستنزاف ما لم ينجح المسار الأميركي الجديد في خلق أرضية صلبة للحوار.
انطلقت التحركات الدبلوماسية الجديدة من ألاسكا، حيث عقد الرئيس الأميركي دونالد ترامب لقاءً مطولًا مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في أول اجتماع مباشر بينهما منذ أشهر. اللقاء جرى في أجواء وُصفت بالعملية، إذ ناقش الطرفان مستقبل العمليات العسكرية في أوكرانيا وإمكانية وضع إطار تفاوضي لوقف التصعيد. اختيار ألاسكا لم يكن عابرًا، فهي تمثل نقطة تماس جغرافي بين الولايات المتحدة وروسيا، بما يحمله ذلك من رمزية سياسية.
بعد هذا اللقاء بأيام قليلة، استضاف ترامب في واشنطن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعددًا من أعضاء المجلس الأوروبي. وخلال الاجتماعات، شدد الجانب الأوكراني على ضرورة وجود ضمانات أمنية واضحة قبل الدخول في أي محادثات مع موسكو، بينما ركز القادة الأوروبيون على أهمية منع توسع رقعة الحرب في القارة. هذه اللقاءات المتعاقبة كشفت عن مسعى أميركي لتشكيل منصة تفاوضية تجمع الأطراف الثلاثة، مع إبقاء احتمال عقد قمة ثلاثية بين بوتين وزيلينسكي وترامب قيد البحث.