فضيحة "قطرغيت": هل تسقط حكومة نتنياهو تحت وطأة الأموال القطرية؟

أماني إبراهيم- وكالة أنباء آسيا

2025.08.21 - 08:06
Facebook Share
طباعة

تتسارع تداعيات فضيحة "قطرغيت" التي هزّت الأوساط السياسية والأمنية في إسرائيل، مع اتساع رقعة التحقيقات لتشمل دائرة أوسع من الشخصيات، ليس فقط من داخل مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بل وصولًا إلى بعض السياسيين الذين يُعتقد أنهم أدلوا بمعلومات حساسة خلال لقاءات غير رسمية مع أطراف على صلة بالقضية. الخطوة الجديدة المتمثلة في بحث الشرطة استدعاء نواب ومسؤولين للإدلاء بشهاداتهم، تمثل تحولًا مهمًا في مسار التحقيق، وتثير أسئلة جدية حول مدى تغلغل الأموال القطرية في قلب المؤسسة الحاكمة الإسرائيلية، في وقت تشهد فيه تل أبيب حربًا مفتوحة على غزة ومفاوضات متعثرة بشأن الأسرى والتهدئة.

قضية "قطرغيت" بدأت مع تقارير عن تحويلات مالية من قطر إلى موظفين في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، يُشتبه في أنهم تلقوا مبالغ مالية في وقت كانوا يديرون اتصالات حساسة مع حركة حماس بخصوص صفقة تبادل الأسرى. هذه الأموال اعتُبرت بمثابة "شراء نفوذ" داخل مركز القرار الإسرائيلي، ما فتح الباب أمام اتهامات بتضارب المصالح وربما تسريب معلومات سرية.
أحد أبرز الأسماء في القضية هو يوناتان أوريخ، المستشار الإعلامي البارز لنتنياهو، الذي خضع بالفعل لجلسات استجواب مكثفة في مقر وحدة "لاهف 433" المتخصصة في الجرائم الكبرى.

خطوة تصعيدية

بحسب ما كشفته القناة 13 الإسرائيلية، تفكر الشرطة جديًا في استدعاء سياسيين للتحقيق بعد أن تبيّن أن بعض المتورطين في "قطرغيت" التقوا بعدد من النواب والمسؤولين، وحصلوا منهم – دون علمهم – على معلومات حساسة عن الحرب على غزة وعن دور قطر في الوساطات.
التحقيقات الأولية تشير إلى أن هؤلاء السياسيين لم يكونوا على دراية بأن أقوالهم ستُستغل وتوظف لصالح جهات لها ارتباط مالي مباشر بقطر. هذا التفصيل يضع المؤسسة السياسية الإسرائيلية أمام معضلة: هل كانت التصرفات عفوية أم أن هناك شبكة أعمق من التأثير تمتد داخل البرلمان والحكومة؟

التحقيق في "قطرغيت" لا يمكن فصله عن السياق الأوسع للحرب الدائرة في غزة. فالملف يتقاطع مع مفاوضات تبادل الأسرى، والدور المركزي الذي تلعبه قطر كوسيط بين إسرائيل وحماس.
بالنسبة للمعسكر المعارض لنتنياهو، تمثل القضية دليلاً إضافيًا على هشاشة مؤسسات الحكم وتغلغل الفساد في قلب مكتبه، بينما يحاول أنصار نتنياهو التقليل من أهمية التحقيق واعتباره "زوبعة إعلامية" تستهدف النيل من رئيس الوزراء في لحظة سياسية وأمنية حرجة.

لكن الخطر الأكبر يكمن في البُعد الأمني: فإذا ثبت أن معلومات حساسة عن سير العمليات في غزة أو عن موقف إسرائيل التفاوضي تسربت عبر هذه القنوات، فإن تداعيات ذلك ستكون خطيرة على مستوى الثقة الداخلية وفي علاقات تل أبيب مع واشنطن والعواصم الغربية.

انعكاسات إقليمية ودولية

من منظور إقليمي، تضع "قطرغيت" الدوحة في موقع حساس للغاية. فبينما تسوّق قطر نفسها كوسيط محايد بين إسرائيل وحماس، تُظهر هذه التحقيقات أن دورها يتجاوز الوساطة ليصل إلى اختراق البنية السياسية الإسرائيلية عبر الدعم المالي لشخصيات نافذة. هذا البُعد سيمنح خصوم قطر، خصوصًا في مصر وبعض العواصم الخليجية، أوراقًا إضافية للتشكيك في نواياها.
أما دوليًا، فإن انكشاف فضيحة بهذا الحجم يعزز سرديات ترى في إسرائيل دولة غارقة في الفساد ومفتوحة أمام الاختراقات الخارجية، وهو ما قد يؤثر على صورتها لدى الرأي العام الغربي، خصوصًا في وقت ترتفع فيه أصوات تنتقد الحرب على غزة وتتهم تل أبيب بارتكاب جرائم حرب.

أثارت قضية "قطرغيت" ارتباكًا واسعًا داخل أروقة الكنيست، حيث سارع نواب المعارضة إلى استغلال التحقيقات للهجوم على نتنياهو وحكومته. يائير لابيد، زعيم المعارضة، اعتبر أن الفضيحة تكشف "عمق الفساد وانعدام الشفافية" في إدارة مكتب رئيس الوزراء، محذرًا من أن أي تسريب مرتبط بالملف يشكل خطرًا مباشرًا على الأمن القومي.

من جهته، دعا بيني غانتس إلى تشكيل لجنة تحقيق برلمانية مستقلة، معتبرًا أن ترك القضية بيد الشرطة وحدها قد لا يكفي لطمأنة الرأي العام، خصوصًا في ظل اتهامات سابقة بتسييس عمل الأجهزة.

أما داخل الائتلاف الحكومي، فقد حاول وزراء "الليكود" التقليل من شأن التطورات، معتبرين أن استدعاء السياسيين للشهادة لا يعني بالضرورة تورطهم، وإنما يدخل في إطار "استيضاح طبيعي" ضمن التحقيقات. لكن خلف الكواليس، يسود توتر حقيقي خشية أن يتحول الملف إلى كرة ثلج تهدد بجر الحكومة بأكملها إلى أزمة ثقة.

على الصعيد الدولي، تتابع العواصم الغربية فضيحة "قطرغيت" بقلق متزايد، إذ يرى مراقبون أن القضية تمس مصداقية إسرائيل في ملفات حساسة مثل التفاوض مع حماس وصفقات الأسرى. في واشنطن، امتنعت الإدارة الأميركية حتى الآن عن التعليق المباشر، لكنها أوصلت رسائل غير معلنة تدعو نتنياهو إلى التعامل مع التحقيقات بشفافية كاملة لتفادي أي ضرر في الثقة المتبادلة.

أما في أوروبا، فقد وجدت وسائل الإعلام في الملف فرصة جديدة لتسليط الضوء على "ثغرات الديمقراطية الإسرائيلية"، فيما بدأت بعض البرلمانات تطرح أسئلة حول جدوى الاعتماد على تل أبيب شريكًا استراتيجيًا إذا كانت عرضة لاختراقات مالية وسياسية من طرف خارجي كقطر.

إقليميًا، قد تستغل مصر وبعض الدول الخليجية هذه القضية لتعزيز خطابها الذي يحذّر من الطموحات القطرية في المنطقة. فبينما تؤكد الدوحة أنها وسيط نزيه، تأتي الفضيحة لتضعها في موقع المتهم باستغلال الوساطات الإنسانية لتحقيق نفوذ سياسي داخل إسرائيل. وبذلك، تتحول "قطرغيت" إلى ورقة ضغط جديدة في توازنات الشرق الأوسط، يتجاوز أثرها حدود إسرائيل ليطال مستقبل الدور القطري في ملفات المنطقة.

يشكل البعد الأمني في فضيحة "قطرغيت" أحد أخطر جوانبها، إذ تتقاطع التحقيقات مع لحظة عسكرية شديدة الحساسية في غزة. فإسرائيل تخوض حربًا مفتوحة ضد حماس، وفي الوقت نفسه تجري مفاوضات غير مستقرة بشأن الأسرى عبر الوساطة القطرية. أي تسريب لمعلومات حساسة عن سير العمليات العسكرية أو عن الموقف الإسرائيلي التفاوضي قد يمنح حماس وقطر أوراق قوة إضافية على حساب الجيش الإسرائيلي.

مصادر أمنية حذّرت من أن مجرد احتمال وجود قناة غير رسمية لنقل المعلومات من سياسيين أو مستشارين إلى جهات مدعومة ماليًا من قطر يضعف ثقة المؤسسة العسكرية بالقيادة السياسية، ويعمّق الفجوة القائمة أصلًا بين الجيش وحكومة نتنياهو. كما أن هذا البُعد يثير تساؤلات لدى الحلفاء الغربيين حول قدرة إسرائيل على حماية أسرارها في ظل فضائح فساد متلاحقة.

في المحصلة، قد لا تبقى تداعيات "قطرغيت" محصورة في أروقة القضاء والسياسة، بل تمتد مباشرة إلى ميدان الحرب في غزة، حيث يمكن أن تؤثر على مسار العمليات العسكرية ومفاوضات التهدئة على حد سواء.

مستقبل نتنياهو السياسي تحت ظل "قطرغيت"

تُعتبر فضيحة "قطرغيت" تهديدًا مباشرًا لمستقبل بنيامين نتنياهو السياسي، إذ تضيف عبئًا جديدًا إلى سلسلة القضايا والانتقادات التي لاحقته خلال السنوات الأخيرة. فمع تورط مستشاريه المقربين، يصبح نتنياهو في موقع ضعيف أمام الرأي العام، حيث يُنظر إلى مكتبه باعتباره بيئة خصبة للفساد وتضارب المصالح.

في الداخل، قد تستغل المعارضة هذه القضية للمطالبة بانتخابات مبكرة أو حتى بطرح الثقة في الحكومة، خاصة إذا أثبتت التحقيقات أن تسريبات متصلة بالملف أضعفت الموقف الإسرائيلي في الحرب على غزة. أما داخل حزبه "الليكود"، فهناك خشية متزايدة من أن تتحول الفضيحة إلى عبء انتخابي يصعب الدفاع عنه، ما يفتح الباب أمام منافسين داخليين للتمرد أو الدفع بخيارات بديلة.
على المستوى الدولي، ستؤثر الفضيحة على صورة نتنياهو كشريك استراتيجي، إذ قد تجد العواصم الغربية صعوبة في التعامل معه إذا أصبح اسمه مرتبطًا بفضائح تمويل خارجي وتلاعب سياسي. وبذلك، قد يكون "قطرغيت" أحد الملفات التي تُسرّع نهاية مسيرة نتنياهو السياسية أو تضعه على الأقل أمام أضعف لحظاته منذ عودته إلى الحكم.

أثارت قضية "قطرغيت" صدمة في الأوساط الدولية، إذ بدت إسرائيل، التي تسعى دائمًا لتقديم نفسها كدولة مؤسسات قوية وشفافة، وكأنها ساحة مفتوحة أمام النفوذ الخارجي والفساد الداخلي. في العواصم الغربية، استُقبلت التحقيقات باعتبارها مؤشراً على هشاشة البنية السياسية الإسرائيلية، في وقت يُفترض أن تكون فيه الحكومة قادرة على إدارة حرب معقدة في غزة والتعامل مع تحديات أمنية إقليمية.
وسائل الإعلام الأوروبية ربطت بين "قطرغيت" وفضائح فساد سابقة، لتؤكد أن إسرائيل لم تعد بعيدة عن ممارسات الدول التي تنتقدها عادة في قضايا الشفافية والديمقراطية. أما في المنطقة العربية، فقد وُظفت الفضيحة للتشكيك في نزاهة الدور الإسرائيلي، والتأكيد على أن تل أبيب ليست سوى دولة رهينة لمصالح ضيقة وشبكات فساد مرتبطة بصفقات غير معلنة.

على المدى البعيد، من المرجح أن تؤثر هذه الصورة السلبية على قدرة إسرائيل في الدفاع عن نفسها أمام الرأي العام الغربي، خصوصًا في ظل الانتقادات المتزايدة للحرب في غزة. فمعادلة "الضحية والمدافع عن النفس" التي تحاول تل أبيب تسويقها قد تنهار أمام مشهد يظهرها دولة غارقة في الفساد السياسي والأمني.

تكشف فضيحة "قطرغيت" عن تداخل غير مسبوق بين الفساد السياسي والاعتبارات الأمنية في إسرائيل، لتؤكد أن التهديدات التي تواجهها الدولة العبرية لا تقتصر على ميادين القتال في غزة، بل تمتد إلى داخل مؤسساتها العليا. فبينما تنخرط تل أبيب في حرب طويلة ومعقدة ضد حماس، يجد نتنياهو نفسه محاصرًا بتحقيقات قد تقوّض شرعيته وتضعف قدرته على المناورة سياسيًا وعسكريًا.

على الصعيد الإقليمي، تمنح الفضيحة خصوم قطر أوراقًا جديدة للتشكيك في دورها كوسيط، وتفتح الباب أمام سجال أوسع حول حدود النفوذ المالي والسياسي في المنطقة. أما دوليًا، فإن صورة إسرائيل كدولة مؤسسات راسخة تتعرض لهزة قوية، بما قد يضعف موقفها في أي مفاوضات مستقبلية سواء مع حماس أو مع حلفائها الغربيين.
في النهاية، يتجاوز "قطرغيت" كونه مجرد ملف جنائي، ليصبح مرآة تعكس عمق أزمة الحكم في إسرائيل، حيث يتشابك الفساد بالسياسة بالأمن، ليطرح سؤالًا جوهريًا: هل تستطيع دولة مشغولة بفضائحها الداخلية أن تدير حربًا معقدة وصراعًا مفتوحًا في غزة والمنطقة

قضية "قطرغيت" تمثل أكثر من مجرد تحقيق جنائي؛ إنها اختبار لمتانة مؤسسات الحكم في إسرائيل، ولقدرة الشرطة والقضاء على مواجهة الفساد حتى في أعلى المستويات. ومع اتساع التحقيقات لتشمل السياسيين، تبدو إسرائيل مقبلة على أزمة سياسية جديدة، قد تضاف إلى سلسلة الأزمات التي يعيشها نظام نتنياهو منذ سنوات.

التجربة التاريخية تشير إلى أن قضايا الفساد المالي والسياسي كثيرًا ما كانت نقطة ضعف قاتلة لحكومات إسرائيلية سابقة، بدءًا من قضية إيهم رابين وصولًا إلى أولمرت. وبالتالي، فإن مصير "قطرغيت" قد يحدد ليس فقط مستقبل نتنياهو السياسي، بل أيضًا صورة إسرائيل كدولة تدّعي الديمقراطية والشفافية بينما تتكشف فضائحها في أروقة القضاء والإعلام. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 9