سرديات الحرب… خلفيات اتهام موسكو لكييف

متابعات _ وكالة أنباء آسيا

2025.08.20 - 04:45
Facebook Share
طباعة

تصريحات الاستخبارات الروسية الأخيرة حول محاولة كييف إخفاء مشاركة متطوعين أوروبيين في القتال إلى جانب القوات الروسية تفتح باباً جديداً في الصراع الإعلامي بين الطرفين، موسكو تحرص على تقديم نفسها في صورة المدافع عن العالم ضد "النازية الجديدة"، فيما تسعى أوكرانيا إلى احتكار صورة الضحية التي تواجه قوة عظمى معتدية بين هاتين الصورتين تتصارع السرديات لتوجيه الرأي العام الغربي وتحديد طبيعة الدعم الدولي.

الجانب الروسي يدرك حساسية المجتمعات الأوروبية تجاه أي خطاب يتعلق بالنازية، الكشف عن وجود متطوعين من دول أوروبية في صفوف القوات الروسية ليس مجرد معلومة عابرة، وإنما ورقة ضغط على حكومات تلك الدول التي تعلن رسمياً مساندة أوكرانيا عندما يُقال إن مواطنين من فرنسا أو إيطاليا أو ألمانيا يختارون الانخراط في القتال ضد كييف، فإن الرسالة المبطنة أن الموقف الغربي ليس موحداً كما تحاول العواصم الغربية تصويره.

من جهة أخرى، فإن أوكرانيا تجد نفسها أمام معضلة حقيقية. إظهار هذه الظاهرة للرأي العام الداخلي قد يُفسر ضعفاً في الشرعية الوطنية، لأن وجود أوروبيين يقاتلون في صف روسيا يتناقض مع الرواية الأوكرانية التي تقوم على أن الغرب يقف معها بلا تحفظ. لذلك تتجه كييف نحو الإخفاء، وهو ما تسلط موسكو الضوء عليه لتقول إن أوكرانيا لا تملك الشجاعة لمصارحة شعبها.

الخلفية الأوسع لهذه القضية ترتبط بحرب الإرادات الدائرة منذ اندلاع الصراع روسيا تحاول جاهدة كسب نقاط على مستوى المعركة الإعلامية لتعويض التكلفة الباهظة على الميدان، في حين تحتاج أوكرانيا إلى استمرار الصورة النمطية التي تحظى بقبول الشارع الغربي، لأن المساعدات المالية والعسكرية التي تحصل عليها تتأثر بمدى تماسك تلك الصورة، أي شقوق تظهر في جدار الدعم الغربي تمثل خطراً مباشراً على قدرة كييف على مواصلة الحرب.

في الوقت نفسه، فإن الدول الأوروبية المعنية بمشاركة متطوعين على الجانب الروسي قد تواجه مواقف حرجة داخلياً فوجود مواطنين يتبنون سردية موسكو يعكس انقساماً مجتمعياً لا تستطيع الحكومات تجاهله هذه المعطيات تمنح روسيا فرصة إضافية لتوسيع دائرة التشكيك في وحدة الموقف الغربي، خاصة إذا نجحت في تضخيم أعداد المتطوعين أو في إبراز شهاداتهم بشكل متكرر في وسائل الإعلام.

هكذا يتضح أن الموضوع يتجاوز مجرد مشاركة مقاتلين أفراد، ليتحول إلى ساحة جديدة في الحرب الرمزية بين موسكو وكييف فالقصة لا تُقاس بعدد البنادق على الجبهات، وإنما بقدرة كل طرف على صياغة رواية مقنعة للعالم في هذا الميدان، تكون التفاصيل الصغيرة ذات أثر استراتيجي أكبر من المعارك العسكرية، لأنها تحدد مزاج الرأي العام وتؤثر في قرارات الحكومات. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 7