يطرح الواقع في محافظة إب سؤالاً جوهرياً عن الأسباب التي جعلت ملف المعتقلين يتحول إلى ساحة ابتزاز ممنهج، تقوده شبكات مرتبطة بالحوثيين عبر وسطاء محليين الظاهرة لا تُختصر في مجرد سماسرة طامعين في المال، وإنما ترتبط ببنية أوسع تديرها الجماعة بوعي، بحيث يصبح الاعتقال أداة للسيطرة السياسية والاجتماعية، وتصبح معاناة الأسر مورداً إضافياً يدرّ الأموال ويوسّع دائرة الخوف.
الخلفية الأولى تكمن في غياب أي إطار قانوني نزيه يحدد مصير المعتقلين فالمحاكم والنيابات في مناطق سيطرة الحوثيين تعمل ضمن منظومة مغلقة، هدفها حماية القرار السياسي للجماعة لا تحقيق العدالة. أمام هذا الانسداد، يجد الأهالي أنفسهم مضطرين للجوء إلى وسطاء يوهمونهم بامتلاك نفوذ داخل الأجهزة الأمنية، فيدفعون مبالغ كبيرة مقابل وعود لا تتحقق، ومع كل صفقة فاشلة، يزداد شعور الأسر بالعجز واليأس.
البعد الثاني يتعلق باستراتيجية أعمق، تسعى إلى تفريغ المجتمع من الأصوات المعارضة. الاعتقالات لم تعد مجرد رد فعل أمني، بل أصبحت أداة منظمة لإعادة تشكيل المجال العام. النخب الأكاديمية والإعلامية والطبية تواجه الاستهداف المباشر، ليس فقط لإسكاتها، وإنما لإضعاف قدرتها على التأثير داخل المجتمع. بهذا المعنى، الاعتقال لا يهدف إلى معاقبة الأفراد فحسب، وإنما إلى إعادة هندسة البنية الاجتماعية في إب.
من الأسباب الأخرى انتشار شبكات المصالح الاقتصادية داخل أجهزة الحوثيين. فالمعتقلون يمثلون "استثماراً" طويل الأمد لبعض النافذين، إذ تُدار عملية الإفراج على شكل مزادات مغلقة بين السماسرة والأسر، وكلما طال أمد الاعتقال ارتفعت الأرباح هذه الظاهرة تكشف عن تماهي القمع مع اقتصاد الحرب، حيث تتحول المعاناة الإنسانية إلى مصدر دخل يضمن ولاء حلقات النفوذ المحلي.
التداعيات على المجتمع عميقة الأسر المنهكة نفسياً ومالياً تفقد تدريجياً ثقتها بأي إمكانية للإنصاف. الأطفال يعيشون تجربة الفقد والانتظار، والنساء يتحملن عبء البحث عن حلول وسط فراغ قانوني مطبق. الرسائل التي يكتبها أبناء المعتقلين لذويهم تعكس حجم الانكسار الاجتماعي، إذ تكشف أن الغياب لم يعد حدثاً مؤقتاً، بل جزءاً من حياة يومية تترسخ فيها مشاعر اليتم الجماعي.
سياسياً، استخدام ورقة المعتقلين بهذه الطريقة يضعف أي فرص مستقبلية للتسوية، إذ أن الطرف الذي يمارس الابتزاز والتهديد لا يسعى إلى معالجة الملف، وإنما إلى إبقائه مشتعلاً كوسيلة للضغط والمساومة وبدلاً من أن يكون ملف الأسرى جسراً نحو الحوار، يتحول إلى جدار إضافي يعمّق الانقسام.
أن ابتزاز أسر المعتقلين في إب ليس انحرافاً عابراً، بل جزء من نهج متكامل يستهدف المجتمع عبر مزيج من القمع الاقتصادي والنفسي والسياسي، القضية تكشف عن طبيعة مشروع يسعى إلى إعادة صياغة العلاقات الاجتماعية وفق معادلة تقوم على الخوف والطاعة، حيث يُستبدل القانون بالولاء، والعدالة بالابتزاز، والكرامة بالصمت القسري. وفي ظل غياب ضغط حقوقي وإعلامي حقيقي، تبقى المحافظة رهينة مختبر للقمع الممنهج الذي قد يتمدد إلى مناطق أخرى ما لم يجد من يواجهه بجدية.