أعلنت "اللجنة القانونية العليا" في محافظة السويداء عن تعيين القاضي شادي فايز مرشد مديرًا جديدًا لقوى الأمن الداخلي في المحافظة، خلفًا للعميد السابق شكيب أجود نصر الذي اعتذر عن تولّي المهمة.
هذا الإعلان يأتي ضمن سلسلة خطوات متسارعة تشهدها السويداء، في ظل غياب الحكومة المركزية ومغادرة القوات النظامية لمواقعها داخل المحافظة، ما دفع جهات محلية إلى تأسيس هياكل إدارية وأمنية بديلة لإدارة شؤون المنطقة بشكل مستقل.
من هو شادي مرشد؟
القاضي شادي مرشد، ابن بلدة تعارة في ريف السويداء الغربي، كان يشغل سابقًا منصب قاضي تحقيق في عهد النظام السوري السابق. بقي في موقعه حتى بعد سقوط النظام، بدعم من الفصائل المحلية. وتُشير مصادر محلية إلى أن والده، فايز مرشد، قُتل في تموز الماضي خلال اقتحام القوات الحكومية لقرية تعارة، ما أضفى بُعدًا شخصيًا على موقفه من النظام الجديد.
وبحسب تقارير سابقة، سبق للنظام السابق أن كلف مرشد بالتحقيق مع عدد من ناشطي الحراك السلمي الذي انطلق في السويداء في آب 2023، ووجهت إليهم تهمًا تتراوح بين "النيل من هيبة الدولة" و"التخابر مع جهات خارجية"، في محاولة لإخماد أصوات المعارضة آنذاك.
لجنة محلية بسلطة ميدانية
تشكّلت "اللجنة القانونية العليا" في السادس من آب، بموجب قرار صادر عن الرئاسة الروحية للطائفة الدرزية، التي تمثل المرجعية الدينية والاجتماعية الأكبر في المحافظة. تتألف اللجنة من ستة قضاة وأربعة محامين، وتقوم بإدارة الملفات الخدمية والأمنية والقانونية، في ما يُشبه حكومة محلية بحكم الأمر الواقع.
بيان اللجنة أشار إلى أنها تهدف إلى "رفع الظلم والضرر عن كاهل المواطنين، والحفاظ على المؤسسات العامة، ومحاربة الفساد".
هل تملك اللجنة شرعية قانونية؟
بينما لاقت اللجنة دعمًا شعبيًا داخل السويداء، أثار تشكيلها تساؤلات قانونية وسياسية. الحكومة المركزية في دمشق ردت بوضوح، إذ أُحيل القضاة المشاركون في اللجنة إلى إدارة التفتيش القضائي، بدعوى مخالفتهم قانون السلطة القضائية، وبموجب مواد تتعلق بعدم التزام القضاة بالحياد والتفرغ.
ورغم هذه الخطوة العقابية، يرى مراقبون أن الحكومة عاجزة فعليًا عن فرض نفوذها في المحافظة، ما يجعل اللجنة تمضي قدمًا في خطواتها، مستفيدة من الفراغ الموجود، ومن الغطاء الشعبي والديني الذي تتمتع به.
بين التنظيم الذاتي والانفصال؟
في ظل هذه التطورات، طُرحت تساؤلات حول نوايا اللجنة، وإن كانت تمهد لانفصال فعلي، أم أن دورها يقتصر على تنظيم الوضع الداخلي بشكل مؤقت.
الأكاديمي السوري فايز القنطار أشار إلى أن تشكيل اللجنة لا يعكس نية للانفصال، بل هو تعبير عن رغبة أبناء السويداء في ترتيب شؤونهم بأنفسهم، خاصة بعد أن تخلّت عنهم الجهات الرسمية، وأصبحت السلطة غائبة فعليًا.
من جانبه، وصف الباحث أيمن الدسوقي من مركز "عمران للدراسات"، الإعلان عن اللجنة بأنه محاولة لفرض أمر واقع حوكمي على الأرض، وتحدٍ مباشر لشرعية الحكومة المركزية. وأكد أن هذا النوع من التنظيم قد يتحول إلى ورقة تفاوضية في حال بدأت تسويات إقليمية أو داخلية في سوريا.
واقع أمني هشّ
خلف هذا الحراك المدني–القانوني، تعيش السويداء أوضاعًا أمنية متوترة. فقد شهدت المحافظة اشتباكات دموية في تموز الماضي، على خلفية حوادث خطف متبادلة بين مجموعات درزية وأخرى من أبناء حي المقوس ذي الغالبية البدوية. وتطورت التوترات إلى مواجهات مسلحة أودت بحياة مدنيين من الطرفين.
وفي خضم هذا العنف، تتبادل الأطراف الاتهامات: فبينما يتهم ناشطون الحكومة بمحاصرة السويداء ومنع دخول الإمدادات، تعلن الجهات الرسمية عن تسيير قوافل مساعدات بشكل متكرر.
شعارات تصعيدية ورسائل سياسية
في مشهد رمزي مثير، خرج متظاهرون في ساحة الكرامة وسط السويداء، بتاريخ 16 آب، رافعين أعلام الطائفة الدرزية إلى جانب العلم الإسرائيلي، في خطوة غير مسبوقة. رفع المتظاهرون شعارات تطالب بـ"حق تقرير المصير"، وتعلن رفض "الفيدرالية"، مع دعوات واضحة للاستقلال عن الدولة السورية.
نهاية مفتوحة
بين محاولات التنظيم الذاتي، والفراغ السلطوي، وتزايد التوترات الطائفية والمناطقية، تبدو السويداء اليوم أقرب ما تكون إلى نموذج حوكمي خاص يتشكل خارج إرادة المركز. ومع استمرار غياب تسوية شاملة، تظل كل الاحتمالات مفتوحة: من التهدئة، إلى التصعيد، وربما ما هو أبعد من ذلك.