إبراهيم علبي: وجه سوريا الجديد في الأمم المتحدة

رزان الحاج

2025.08.20 - 10:59
Facebook Share
طباعة

 في خطوة لافتة تحمل مؤشرات على توجه جديد للدبلوماسية السورية، أصدر الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، مرسومًا يقضي بتعيين إبراهيم عبد الملك علبي سفيرًا مفوضًا فوق العادة ومندوبًا دائمًا للجمهورية العربية السورية لدى الأمم المتحدة في نيويورك، وذلك خلفًا للدبلوماسي قصي الضحاك.


هذا القرار يأتي في سياق إعادة هيكلة للبعثات الدبلوماسية السورية بالخارج، حيث تسعى دمشق، وفق تصريحات رسمية، إلى إضفاء طابع "تمثيل مشرّف" لسوريا في المحافل الدولية، وتقديم خدمات أفضل للجاليات السورية حول العالم. لكن الأهم من إعادة الهيكلة هو الشخصية التي اختيرت لتمثيل سوريا في أهم محفل دولي حاليًا: إبراهيم علبي.


فمن هو هذا الشاب الذي اختير ليحمل واحدة من أثقل الحقائب السياسية والدبلوماسية لسوريا في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخها؟


سيرة ذاتية استثنائية
إبراهيم عبد الملك علبي، في مطلع العقد الرابع من عمره، وُلد في الرياض ويحمل الجنسيتين البريطانية والألمانية إلى جانب جنسيته السورية. لكن ما يلفت النظر في مسيرته ليس تعدد جنسياته، بل المسار الأكاديمي والمهني الذي خطّه بإصرار، والمرتكز أساسًا على قضايا القانون الدولي وحقوق الإنسان.


تلقى علبي تعليمه المدرسي في مدارس الملك فيصل بالرياض، ثم انتقل إلى المملكة المتحدة حيث نال البكالوريوس والماجستير في القانون من جامعة مانشستر، متخصّصًا في القانون الدولي وأمنه، قبل أن يُكمل لاحقًا ماجستير السياسات العامة من جامعة أكسفورد. وقد حصل خلال مسيرته الأكاديمية على تكريمات متعددة، من بينها جائزة "طالب العام" وتكريم خاص من الأمير سعود الفيصل، تقديرًا لأدائه المتميز.


صوت حقوقي في دهاليز السياسة
مسيرة علبي المهنية لم تكن تقليدية أو نمطية كما هو معتاد في السلك الدبلوماسي، بل جاءت من عمق الحقل الحقوقي. فقد عمل مستشارًا لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، كما تعاون مع نقابة المحامين الدولية، وكان عضوًا نشطًا في المجلس السوري البريطاني، وهو إطار يعنى بقضايا سوريا من منظور حقوقي وقانوني في المملكة المتحدة.


لكن الأبرز في سيرة علبي هو نشاطه الميداني داخل سوريا، خصوصًا في المناطق المتأثرة بالنزاع. فقد أمضى فترات طويلة في مدينة حلب ومناطق أخرى، حيث أشرف على تدريبات قانونية وحقوقية لأكثر من 550 ناشطًا ومنظمة أهلية، تناولت موضوعات حساسة مثل النزوح القسري، التعذيب، وآليات الأمم المتحدة لحماية حقوق الإنسان.


كما شهد علبي أحداثًا مفصلية في النزاع السوري، من بينها الهجوم الكيميائي عام 2017، ولعب دورًا في تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق سورية نائية أو محاصرة، بالتعاون مع منظمات أممية ودولية.


حضور دولي وخطاب متوقّع
خلال سنوات عمله، قدّم علبي شهادات قانونية في محافل دولية مرموقة، من جنيف إلى واشنطن، مرورًا ببروكسل ولندن، وشارك في مؤتمرات استضافتها منظمات كبرى مثل تشاتام هاوس، ومنظمة العفو الدولية. كما تلقّى دعوات رسمية من زعماء دول، بينهم مسؤولون رفيعو المستوى في ألمانيا وبريطانيا، وحتى الأمين العام للأمم المتحدة.


إعلاميًا، كان حاضرًا بفعالية على منابر عالمية، مثل BBC وCNN، حيث دافع عن قضايا العدالة وحقوق الإنسان في سوريا، وكان صوتًا واضحًا في وجه الانتهاكات، بغضّ النظر عن الجهة التي ارتكبتها.


ومع تعيينه سفيرًا ومندوبًا دائمًا لسوريا في الأمم المتحدة، يُنتظر أن يكون علبي وجهًا جديدًا مختلفًا عن من سبقوه، خصوصًا في ضوء الحديث عن خطاب مرتقب للرئيس الانتقالي أحمد الشرع في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، خلال أيلول المقبل.


تحوّل دبلوماسي؟
تعيين شخصية كعلبي في هذا المنصب يُفهم في سياق أوسع، يشير إلى محاولة السلطات السورية الانتقالية إعادة صياغة صورتها الدولية، عبر الدفع بوجوه شابة تحظى باحترام في الأوساط الحقوقية والدبلوماسية الغربية، بدلاً من الأسماء التي ارتبطت بالدفاع غير المشروط عن النظام السابق وسياساته.


وفي الوقت ذاته، يُنظر إلى هذه الخطوة في ضوء التقارير التي تتحدث عن ضغوط أمريكية لرفع العقوبات عن الرئيس الانتقالي أحمد الشرع وبعض الشخصيات في حكومته، ما قد يُفسّر الرغبة في إرسال رسالة "تصالحية" إلى المجتمع الدولي عبر شخصية تحظى بالمصداقية مثل علبي.


ما بعد الضحاك
علبي يخلف قصي الضحاك، الذي مثّل سوريا في الأمم المتحدة منذ عام 2023، واستمر في منصبه حتى بعد سقوط النظام السابق. وكان الضحاك معروفًا بمواقفه الصلبة ودفاعه العلني عن سياسات النظام السوري أمام المحافل الدولية، ما جعله في مواجهة دائمة مع الوفود الغربية والعربية الداعمة للثورة.


لا شك أن إبراهيم علبي يواجه تحديًا كبيرًا في موقعه الجديد، بين تمثيل دولة تمر بمرحلة انتقالية دقيقة، ومحاولة إيصال صوت يوازن بين الواقعية السياسية والالتزام بالمبادئ الحقوقية التي كرّس لها سنوات من حياته.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 5