كيف يواجه لبنان نفوذ إيران وحزب الله؟

بيروت – وكالة أنباء آسيا

2025.08.19 - 10:53
Facebook Share
طباعة

في إطار مواجهة التحديات الأمنية والسياسية التي تعصف بلبنان منذ عقود، أكد رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع في مقابلة مع قناة"العربية" أن قرار الدولة اللبنانية بحصر سلاح حزب الله تاريخي، لكنه يبقى منقوصاً ما دام الدولة مخطوفة منذ أكثر من 40 عاماً.

جعجع اعتبر أن الدولة هي المرجعية الوحيدة لضمان الأمن والسيادة، وأن أي سلاح خارج نطاقها يشكل تهديداً مباشراً لوحدة لبنان واستقراره الداخلي.

الطائفة الشيعية بين النفوذ الإيراني وحزب الله

أوضح جعجع أن الطائفة الشيعية ليست مستهدفة من الدولة، وأن حزب الله هو من يروّج لفكرة استهدافها داخلياً. وأضاف أن الطائفة الشيعية كانت مخطوفة من قبل الحرس الثوري الإيراني، ما عزز النفوذ السياسي والعسكري للحزب في بنية المجتمع اللبناني.

وأشار إلى أن سيطرة حزب الله على مؤسسات ومناصب سياسية معينة ضمن الطائفة الشيعية تجعل حل ملف السلاح مسألة مركبة، لا تقتصر على بعد أمني فقط، بل تتعلق بالتوازن السياسي الداخلي والاستقرار الاجتماعي.

رسالة لبنان الواضحة لإيران

أكد جعجع أن موقف رئيسَي الجمهورية والحكومة، جوزيف عون ونواف سلام، ثابت في جعل لبنان دولة مستقلة. وأضاف أن زيارة المسؤول الإيراني علي لاريجاني إلى بيروت كانت مناسبة لتأكيد أن أي محاولة للتدخل في شؤون الدولة لن تمر، وأن لبنان مصمم على حماية سيادته.

وقال: "رسالتي للقادة الإيرانيين واضحة: لا تتدخلوا في شؤون لبنان، والدولة هي المرجع الأعلى لكل القرارات."

حصر السلاح بيد الدولة: مطلب داخلي مرتبط بالسياسة الدولية

اعتبر جعجع أن حصر سلاح حزب الله شأن داخلي لبناني بحت، لكنه أشار إلى أن بعض بنود الورقة الأميركية التي قدمها المبعوث ستيف ويتكوف مرتبطة بهذا الملف.

وأضاف: "حزب الله لا يمكنه مواجهة الدولة اللبنانية بأكملها، والدولة تبسط نفوذها عبر ضبط السلاح." وأكد أن تعاون الحزب مرتبط بموقف إيران، خصوصاً مع محاولات طهران تعزيز نفوذها عبر الحوثيين في اليمن والحشد الشعبي العراقي.

لبنان والمجتمع الدولي وإسرائيل

اعتبر جعجع أن المجتمع الدولي أعطى إسرائيل الحق في حماية أمنها، وأن حزب الله كرّس حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. وأضاف أن الولايات المتحدة تسعى لإيجاد سلام شامل مع إسرائيل، شرط تنفيذ حل الدولتين.

وأوضح أن هذا الوضع الدولي يعكس حدود الخيارات اللبنانية في مواجهة التهديدات الخارجية، لكنه في الوقت نفسه يوفر فرصة لـ إعادة ضبط التوازن الداخلي لصالح الدولة اللبنانية.

العلاقات الإقليمية والدعم الخارجي

أكد جعجع على ضرورة تعزيز العلاقات مع سوريا بعد الإدارة الجديدة، بهدف فتح أفق اقتصادي وسياسي واستعادة الدور الإقليمي للبنان.

كما أشاد بالدعم السعودي للبنان، مشيراً إلى أن السعودية ضخت عشرات المليارات لدعم استقرار الدولة، وأن هذا الدعم يتوافق مع الميثاق الوطني والسياسة اللبنانية. وأضاف أن هذا الدعم يمثل رافعة قوية لإعادة لبنان إلى المسار الصحيح بعد سنوات من الأزمات السياسية والاقتصادية.

أبعاد النفوذ الإيراني وحزب الله في لبنان

النفوذ السياسي والعسكري

يُعد حزب الله الذراع الأبرز لإيران في لبنان، حيث يمتلك قوة مؤسسية متغلغلة داخل أجهزة الدولة، سواء عبر تمثيله البرلماني أو عبر وجوده في الحكومات المتعاقبة. هذا النفوذ لم يقتصر على تمثيل سياسي، بل امتد إلى شبكات مالية وأمنية واقتصادية موازية للدولة، ما جعله لاعباً فوق المؤسسات الرسمية.
ويشير خبراء إلى أن أي قرار يتعلق بمستقبل سلاح حزب الله لا يُحسم في بيروت وحدها، بل يرتبط مباشرة بطهران التي تعتبر الحزب جزءاً من استراتيجيتها الإقليمية لموازنة النفوذ الأميركي والإسرائيلي في المنطقة.

التوازن الداخلي

التركيبة الطائفية اللبنانية المعقدة تجعل ملف حزب الله أكثر حساسية. فالطائفة الشيعية، التي يشكل الحزب أبرز ممثليها السياسيين، تتعرض لضغوط مزدوجة: من جهة نفوذ إيران وحزب الله الذي يفرض وصايته عليها، ومن جهة أخرى مخاوف بقية الطوائف من هيمنة الحزب على القرار الوطني.
هذا الواقع يخلق توازناً هشاً، حيث تتردد الأطراف اللبنانية الأخرى بين المطالبة الصريحة بسحب سلاح الحزب، وبين القبول بالأمر الواقع خشية الانزلاق إلى صراع أهلي جديد يعيد سيناريو الحرب الأهلية التي عاشها لبنان بين 1975 و1990.

الدور الدولي

على الصعيد الدولي، تمثل الورقة الأميركية الأخيرة التي حملها المبعوث ستيف ويتكوف محاولة جديدة لإعادة صياغة معادلة داخلية تتيح للدولة اللبنانية فرض سلطتها على السلاح. لكن هذه المبادرات تواجه عقبات، أهمها أن تنفيذها يحتاج إلى توافق داخلي متين ودعم إقليمي ودولي متزامن.
الولايات المتحدة ومعها فرنسا تسعيان إلى تحييد لبنان عن صراعات المنطقة، لكن غياب الإرادة الداخلية الموحدة وارتباط حزب الله بالمحور الإيراني يجعلان هذه الجهود أشبه بمسار طويل المدى، لا بصفقة سياسية سريعة.

البعد الأمني

لا يقتصر ملف سلاح حزب الله على كونه مسألة سياسية أو سيادية، بل يتعداه إلى كونه ضرورة أمنية وجودية. فالحزب يمتلك ترسانة عسكرية ضخمة، تشمل آلاف الصواريخ القادرة على استهداف العمق الإسرائيلي، وهو ما يجعله طرفاً أساسياً في معادلة الحرب والسلام على الحدود الجنوبية.
إلا أن هذه القوة العسكرية تُشكل في الوقت نفسه تهديداً داخلياً، إذ أن وجود سلاح خارج سيطرة الدولة يُضعف الجيش اللبناني ويحد من قدرته على فرض الأمن. كما يزيد من احتمالية اندلاع مواجهات مسلحة داخلية أو على الحدود قد تجر لبنان إلى حروب بالوكالة لا يملك قرار إشعالها أو إطفائها.

التحدي الإقليمي

النفوذ الإيراني في لبنان لا يمكن فصله عن استراتيجيتها الإقليمية الأشمل. فإيران ترى في حزب الله أداة متقدمة لردع إسرائيل وموازنة الوجود الأميركي في المنطقة، وفي الوقت نفسه كوسيلة للضغط في أي مفاوضات دولية حول الملف النووي أو النفوذ الإقليمي.

إلى جانب لبنان، تستخدم طهران أدوات أخرى مثل الحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق لتعزيز قدرتها على التأثير الإقليمي. هذا يعني أن أي تسوية في لبنان لن تُحسم محلياً، بل ستكون مرتبطة بمستوى الضغوط والتفاهمات الإقليمية والدولية، سواء عبر المفاوضات أو عبر إعادة رسم خرائط النفوذ في الشرق الأوسط.

رغم التحديات، يظل موقف لبنان الرسمي ثابتاً في الدفاع عن سيادته واستقلاله. رئيس حزب "القوات اللبنانية" يشدد على أن نجاح أي استراتيجية لحصر السلاح يعتمد على تعاون القوى الداخلية والدعم الدولي المتوازن، مع ضرورة تحييد أي تأثير إيراني مباشر أو غير مباشر.

السيناريوهات المحتملة لمستقبل حزب الله في لبنان

أمام الواقع الراهن، يمكن رسم ثلاثة سيناريوهات رئيسية لمستقبل سلاح حزب الله ودوره في لبنان:

تسوية سياسية تدريجية:
يقوم الحزب بتقليص نفوذه العسكري مقابل ضمانات سياسية واقتصادية له وللطائفة الشيعية، ضمن إطار تفاهم داخلي – إقليمي – دولي. هذا السيناريو يتطلب توافقاً شاملاً يضمن بقاء الحزب لاعباً سياسياً من دون سلاح خارج الدولة.

الانزلاق نحو صدام داخلي:
في حال تعاظم الضغوط الدولية ورفض الحزب تقديم تنازلات، قد يتجه لبنان إلى مواجهة أهلية جديدة، ولو بشكل غير شامل، على غرار أحداث 7 مايو 2008. هذا السيناريو يحمل خطراً كبيراً على وحدة الدولة، ويعيد شبح الحرب الأهلية.

الاستمرار في الوضع القائم:
وهو السيناريو الأكثر ترجيحاً على المدى القريب، حيث يبقى الحزب محتفظاً بسلاحه تحت شعار "المقاومة"، بينما تستمر الدولة في محاولات التعايش مع الواقع بانتظار صفقة إقليمية أكبر تعيد ترتيب النفوذ بين إيران والغرب.

يبقى ملف حزب الله في لبنان أبعد من كونه شأناً داخلياً؛ فهو عقدة أساسية في الصراع الإقليمي بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل، وعنوان دائم لانقسام الداخل اللبناني بين مؤيد ومعارض.
إن أي حل مستقبلي سيبقى رهناً بتوازنات أكبر من قدرة بيروت وحدها، ما يجعل السيادة اللبنانية مرهونة بمدى قدرة الدولة على استعادة قرارها المخطوف، وإعادة ضبط علاقتها مع الإقليم والعالم. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 9