بدأ مجلس الأمن الدولي، مناقشة مشروع قرار تقدّم به الجانب الفرنسي لتمديد ولاية قوة الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان (اليونيفيل) لمدة عام إضافي، تمهيدًا لانسحاب تدريجي للقوة. ويأتي النقاش في ظل اعتراضات معلنة من إسرائيل والولايات المتحدة، ما يعكس الخلافات الدولية حول مستقبل الدور الأممي في المنطقة الحدودية الجنوبية للبنان. يشارك في النقاش 15 عضوًا في المجلس، منهم 5 دائمون لديهم حق الفيتو، ما يجعل أي قرار محتمل مرهونًا بتوافق سياسي واسع.
ينص مشروع القرار على تمديد ولاية اليونيفيل حتى 31 أغسطس 2026، مع فقرة صريحة تشير إلى "عزم مجلس الأمن على العمل من أجل انسحاب تدريجي" للقوة، بحيث تصبح الحكومة اللبنانية الضامن الوحيد للأمن في جنوب لبنان. تشمل مهام اليونيفيل مراقبة وقف إطلاق النار، دعم الجيش اللبناني بالتدريب والمراقبة اللوجستية، وحماية المدنيين في المناطق الحدودية. حاليًا، يبلغ تعداد القوة نحو 10 آلاف جندي وضابط من 35 دولة، موزعين على 115 نقطة مراقبة في الجنوب، مع تعزيزات بحرية وجوية محدودة.
تعارض إسرائيل التمديد، معتبرة أن استمرار اليونيفيل يعيق حرية تحرك قواتها على الحدود، بينما لم تصدر الولايات المتحدة موقفًا رسميًا بعد، رغم امتلاكها حق الفيتو. ويشير محللون إلى أن موقف واشنطن قد يرتبط بسعيها لإعادة ترتيب التحالفات الإقليمية، مع التركيز على الضغط على حزب الله وإيران. ويُنظر إلى الخلاف الدولي على مشروع القرار على أنه انعكاس لمصالح القوى الكبرى، وليس فقط للظروف الأمنية في جنوب لبنان.
الحكومة اللبنانية تعتبر اليونيفيل أداة دعم مؤقتة، لكنها تعمل على تعزيز قدرات الجيش الوطني ليصبح الضامن الوحيد لاحقًا. وفي السياق العربي، أكدت تصريحات قيادات لبنانية أن الدعم السعودي ساهم في تعزيز الاستقرار السياسي وإنجاز الاستحقاقات الرئاسية الأخيرة، مشددين على رفض أي محاولات تحويل لبنان إلى "خزنة مالية". ويعمل الجيش اللبناني حاليًا على تحديث قواته المنتشرة في الجنوب، والتي تبلغ نحو 30 ألف عنصر، لتولي الأمن الكامل بعد انسحاب اليونيفيل.
انسحاب قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) عن جنوب لبنان يعني تحول كامل للعبء الأمني إلى الجيش اللبناني والحكومة المركزية، بعد أكثر من 45 عامًا من الانتشار الأممي في المنطقة. تأسست اليونيفيل بموجب قرار مجلس الأمن رقم 425 عام 1978، بعد العدوان الإسرائيلي الأول على لبنان، بهدف مراقبة وقف إطلاق النار وحماية المدنيين وتقديم الدعم اللوجستي للجيش اللبناني في تنفيذ مهامه.
خلال عقود من وجودها، ساهمت اليونيفيل في منع التصعيد المباشر بين لبنان وإسرائيل، وتوفير توازن أمني نسبي في المناطق الحدودية الجنوبية، رغم التحديات الناتجة عن نشاطات حزب الله ووجود مناطق عازلة لم تخضع لسيطرة الدولة اللبنانية بالكامل. وفي حرب لبنان الثانية عام 2006، تم توسيع مهامها لتشمل دعم الجيش اللبناني في فرض الأمن ومراقبة الانسحابات الإسرائيلية، لكنها واجهت قيودًا كبيرة بسبب الخروقات العسكرية على الأرض.
انسحاب اليونيفيل يعني أن أي فراغ أمني قد يظهر في الجنوب سيكون مسؤولية الجيش اللبناني مباشرة، مع مخاطر محتملة لاستغلال الجماعات المسلحة للفراغ الأمني. كما أن القرار مرتبط بتوازن القوى الإقليمية والدولية، خصوصًا مع اعتراضات إسرائيل والولايات المتحدة، بينما تدعم فرنسا ودول أوروبية استمرار المهمة حتى وضع خطة انسحاب تدريجي.
الانسحاب الكامل سيتطلب تعزيز قدرات الجيش اللبناني، وتحديث البنية العسكرية في الجنوب، وضمان وجود منظومة مراقبة متكاملة لمنع أي تصعيد عسكري أو عمليات تهريب عبر الحدود. ويعتبر هذا التحول اختبارًا لقدرة الدولة اللبنانية على إدارة أمن حدودها الجنوبية بشكل مستقل، بعد عقود من الاعتماد الجزئي على اليونيفيل كحاجز أمني مؤقت.
تأسست اليونيفيل عام 1978 بعد العدوان الإسرائيلي الأول على لبنان، بهدف مراقبة وقف إطلاق النار وحماية المدنيين. خلال الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، تعرضت اليونيفيل لضغوط كبيرة، ووسعت مهامها لتقديم الدعم الإنساني وتسهيل عودة اللاجئين. بين عامي 1990 و2000، لعبت دورًا أساسيًا في مراقبة الانسحابات الإسرائيلية ومنع التصعيد بين لبنان وإسرائيل. في العقدين الأخيرين، حافظت القوة على دور أمني مؤقت، رغم التحديات الناتجة عن نشاطات حزب الله والتوترات الإقليمية.
من المتوقع أن يصوت أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر على المشروع في 25 أغسطس، قبل انتهاء ولاية اليونيفيل بنهاية الشهر. وتشير التقديرات إلى عدة سيناريوهات محتملة: التمديد مع انسحاب تدريجي وفق جدول زمني محدد (قد يبدأ من منتصف 2026 وينتهي بحلول نهاية 2027)، أو استخدام الفيتو من أحد الأعضاء، أو تأجيل القرار، وكلها تؤثر مباشرة على الأمن السياسي والعسكري في الجنوب اللبناني.
يبقى مستقبل اليونيفيل مرتبطًا بتوازن القوى الإقليمية والدولية، وليس فقط بالاستقرار الداخلي اللبناني. أي انسحاب غير مدروس قد يترك فراغًا أمنيًا قد تستغله الجماعات المسلحة، فيما استمرار الدور الأممي يحتاج إلى توافق دولي لضمان استقرار الحدود وتعزيز السيادة اللبنانية. ويراقب المجتمع الدولي أيضًا دور حزب الله في الجنوب، حيث يسيطر على شبكة لوجستية واسعة وقد يملأ أي فراغ أمني محتمل.
تصويت مجلس الأمن المزمع سيكون محطة حاسمة لتحديد الدور المستقبلي للأمم المتحدة في جنوب لبنان، سواء بالانسحاب التدريجي أو استمرار التدخل الأممي، مع تأثير مباشر على الأمن الإقليمي واستقرار الدولة اللبنانية. ويعتبر هذا القرار مؤشرًا على قدرة الأمم المتحدة والدول الكبرى على إدارة النزاعات الحدودية وحماية المدنيين في مناطق التوتر.