انطلقت سفينة إنسانية من ميناء ليماسول القبرصي متجهة إلى ميناء أشدود الإسرائيلي، حاملة نحو 1200 طن من المواد الغذائية المخصصة لقطاع غزة، وسط تحذيرات أممية من تفاقم أزمة الجوع في القطاع.
السفينة، التي ترفع العلم البنمي، تحمل 52 حاوية مليئة بالمعكرونة والأرز وحليب الأطفال والمواد المعلبة. ويعود نحو 700 طن من هذه المساعدات إلى قبرص بتمويل من الإمارات العربية المتحدة عبر صندوق "أمالثيا"، فيما ساهمت كل من إيطاليا ومالطا (بمؤسسة كاثوليكية)، إلى جانب جمعية السلام الكويتية في تقديم بقية الشحنة.
من المقرر أن تصل الشحنة إلى ميناء أشدود، حيث سيتولى موظفو الأمم المتحدة الإشراف على تفريغها وتخزينها، قبل أن تتكفل منظمة World Central Kitchen بتوزيعها على سكان القطاع. وتأتي هذه الخطوة بعد توقف مبادرات الشحن البحري العام الماضي عقب نقل نحو 22 ألف طن من المساعدات، قبل أن تُعلق الجهات المانحة المشاركة بسبب مشكلات أمنية ولوجستية متكررة.
قال وزير الخارجية القبرصي، كونستانتينوس كومبوس، إن "الوضع في غزة متردٍ للغاية"، في ظل تحذيرات الأمم المتحدة من أن القطاع يواجه أسوأ أزمة غذائية منذ بداية الحرب. في المقابل، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي تشكيكه في تقارير الجوع، واصفًا إياها بأنها "أكاذيب تروّجها حماس"، رغم بيانات الأمم المتحدة التي تؤكد تراجعًا خطيرًا في الوضع الإنساني.
أما على الصعيد السياسي، فقد تزامنت الخطوة مع إعلان حركة حماس قبولها مقترحًا جديدًا للتهدئة قدّمه الوسطاء العرب، في وقت لم تصدر فيه إسرائيل موافقتها بعد، ما يعكس حالة من الغموض السياسي المحيط بالمساعي الإنسانية.
بحسب وزارة الصحة في غزة، تجاوز عدد الشهداء منذ اندلاع الحرب 62 ألف شخص، نصفهم تقريبًا من النساء والأطفال، ما يفاقم من حجم المأساة الإنسانية في القطاع، ويجعل وصول أي مساعدات أمرًا ملحًا وحيويًا.
طرحت قبرص مبادرة "أمالثيا" منذ عام 2024 كآلية لنقل المساعدات البحرية إلى غزة عبر ممر خاضع للتفتيش الإسرائيلي، في محاولة لتجاوز القيود المفروضة على المعابر البرية. ورغم نجاح المبادرة في نقل آلاف الأطنان، إلا أنها توقفت بعد استهداف بعض المنشآت اللوجستية في غزة وتصاعد التوترات الأمنية.
إحياء هذا المسار اليوم يعكس ثلاثة مسارات متوازية:
إنسانيًا: الضغوط الأممية والدولية دفعت إلى إعادة تشغيل "أمالثيا" مع تفاقم أزمة الجوع.
سياسيًا: المجتمع الدولي يرسل رسالة بأن البدائل ممكنة لتجاوز المعابر التي تسيطر عليها إسرائيل.
إقليميًا: بروز مساهمة الإمارات وإيطاليا ومالطا والكويت يكشف عن تشابك مصالح متعددة، ما قد يمهد لتدويل أكبر لمسألة الإغاثة في غزة.
وبذلك، يظهر أن المساعدات البحرية لم تعد مجرد مبادرة إنسانية، بل باتت أيضًا ورقة ضغط سياسية، تختبر قدرة الأطراف الدولية على فرض ممرات مستقلة لتخفيف معاناة السكان في غزة، وسط تعقيدات الحرب الممتدة.