غزة والسودان تكشف الوجه الدموي لاستهداف عمال الإغاثة

– وكالة أنباء آسيا

2025.08.19 - 07:49
Facebook Share
طباعة

كشف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن عام 2024 سجّل 383 قتيلاً من عمال الإغاثة في مناطق النزاع، في أكبر حصيلة على الإطلاق منذ بدء التوثيق. وتشير بيانات قاعدة AWSD إلى أن نحو نصف هؤلاء الضحايا سقطوا في قطاع غزة خلال الحرب المستمرة، بينما توزّع الباقون على السودان ولبنان وإثيوبيا وسوريا وأوكرانيا. الرقم لا يعكس مجرد وضع استثنائي في سنة واحدة، بل يعبّر عن منحنى تصاعدي في استهداف العمل الإنساني حول العالم.

 

غزة: بؤرة النزيف الإنساني

القطاع المحاصر مثّل النموذج الأكثر قسوة؛ إذ قُتل أكثر من 180 إغاثياً، معظمهم كوادر محلية، قضوا إمّا أثناء أداء مهامهم أو داخل منازلهم التي تحولت إلى أهداف عسكرية. القيود المشددة على إدخال المساعدات، والاستهداف المتكرر للمركبات المعلّمة بشعارات إنسانية، شكّلت معاً بيئة قاتلة جعلت من غزة المسرح الأخطر للإغاثة الإنسانية في العالم.

 

مشاهد من الميدان

من أبرز الأحداث التي رسخت صورة الانتهاك، ما جرى في رفح يوم 23 مارس/آذار 2025، حين قُتل 15 مسعفاً داخل مركبات إغاثة تحمل إشارات واضحة، وسط تقارير عن دفن الجثامين مع المركبات بجرافات عسكرية. الواقعة صدمت الرأي العام الدولي وأبرزت هشاشة آليات التحقيق الداخلية، لتصبح مثالاً على فشل التمييز بين المدني والعسكري في الميدان.

 


التوزيع الجغرافي للأزمة

خارج غزة، برز السودان كثاني أخطر ساحة للعمل الإنساني مع سقوط 60 قتيلاً من الإغاثيين نتيجة الحرب الأهلية المتفاقمة. تلاه لبنان حيث قُتل 20، ثم سوريا وإثيوبيا بواقع 14 لكل منهما، وأوكرانيا بـ 13 قتيلاً. هذا التوزيع يعكس أن استهداف العمل الإنساني لم يعد محصوراً في بؤر محدودة، بل تحوّل إلى نمط عابر للقارات.

 


الدلالات القانونية والسياسية

وفقاً للقانون الدولي الإنساني، يتمتع عمال الإغاثة بحماية خاصة، وأي استهداف مباشر لهم أو لعرقلة وصول المساعدات يُعدّ انتهاكاً قد يرقى إلى جريمة حرب. تقارير الأمم المتحدة شدّدت في اليوم العالمي للعمل الإنساني على ضرورة إنهاء الإفلات من العقاب وتفعيل آليات مساءلة شفافة. سياسياً، تعكس هذه التطورات اختباراً حقيقياً لمدى مصداقية النظام الدولي وقدرته على فرض قواعد ملزمة للأطراف المتحاربة.

 


أثر مباشر على العمليات الإنسانية

المنظمات العاملة في مناطق النزاع تجد نفسها أمام خيارات صعبة: إما تعليق أنشطتها أو تقليصها، أو التحوّل إلى إدارة عن بُعد، وهو ما يُضعف الاستجابة ويعمّق معاناة المدنيين. وبما أن معظم الضحايا من الكوادر المحلية، فإن ذلك يؤدي إلى نزيف في الخبرات الوطنية ويقوّض شبكات الاستجابة المجتمعية. كما أن حوادث انتحال صفة الإغاثيين أو استخدام غطاء إنساني لأغراض عسكرية، ساهمت في زيادة الشكوك وتعريض العاملين الحقيقيين للخطر.


جذور الأزمة وتراكم التهديدات

منذ إنشاء قاعدة بيانات أمن عمال الإغاثة AWSD عام 1997، رُصدت آلاف الحوادث التي استهدفت الإغاثيين. لكن عام 2024 سجّل الذروة التي تزامنت مع الحرب في غزة واشتداد النزاعات في السودان وأوكرانيا. هذه التطورات تكشف أن العمل الإنساني لم يعد محايداً في نظر الأطراف المسلحة، بل أصبح يُنظر إليه باعتباره ورقة ضغط سياسية وأمنية. ومع استمرار الحروب دون حلول سياسية، يتوقع أن يظل الإغاثيون في دائرة الاستهداف.

 

تكشف حصيلة عام 2024 أن استهداف عمال الإغاثة لم يعد مجرد أحداث عرضية، بل أصبح اتجاهاً متصاعداً يهدد جوهر العمل الإنساني. غزة تمثل النموذج الأكثر دموية، فيما تمتد العدوى إلى السودان ولبنان وساحات أخرى. هذا التحوّل لا يطرح فقط سؤال الحماية الميدانية، بل أيضاً سؤال مصداقية النظام الدولي وقدرته على فرض قواعد ملزمة. ومع استمرار النزاعات دون حلول سياسية، يخشى أن تتحول السنوات المقبلة، 2025–2026، إلى مرحلة اعتياد الخسائر، حيث يصبح استهداف الإغاثيين جزءاً من تكتيكات الحرب، وتتعرض الثقة في حيادية وفعالية العمل الإنساني لهزة غير مسبوقة. وفي غياب مساءلة حقيقية، سيظل الإغاثيون يدفعون الثمن بحياتهم، فيما تتحمل المجتمعات المنكوبة الكلفة الأكبر.


 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 3