واشنطن تنهي دور اليونيفيل.. فراغ أمني يهدد جنوب لبنان

2025.08.18 - 01:30
Facebook Share
طباعة

في خطوة قد تعيد رسم خريطة الأمن في جنوب لبنان، كشفت مصادر أمريكية لشبكة ABC أن وزير الخارجية ماركو روبيو أقر خطة لإنهاء عمل قوة حفظ السلام الدولية "اليونيفيل" خلال ستة أشهر. القرار الذي ينذر بفراغ أمني قد يستغله "حزب الله" ويزيد من هشاشة السيطرة اللبنانية على حدودها الجنوبية، يأتي وسط خلافات دولية حادة وتوترات داخلية بين القوى الكبرى في المنطقة.

تعد قوة "اليونيفيل"، التي أنشئت عام 1978 لمراقبة انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، ركيزة أساسية للأمن الإقليمي، وتم توسيع مهمتها بعد حرب 2006 بين إسرائيل و"حزب الله". ويبلغ عدد قواتها حوالي 10 آلاف جندي، في حين يمتلك الجيش اللبناني نحو 6 آلاف جندي، ومن المتوقع أن يرتفع العدد قريبًا إلى 10 آلاف لمواجهة أي فراغ محتمل.

ومع تقليص التمويل الأمريكي للقوة خلال الفترة الأخيرة، أعدت إدارة ترامب خطة لإنهاء مهمتها خلال ستة أشهر، معتبرة أن "اليونيفيل" هدر للأموال ويؤجل القضاء على نفوذ "حزب الله" واستعادة الجيش اللبناني للسيطرة الأمنية الكاملة.

القرار أثار اعتراضات أوروبية، لا سيما من فرنسا وإيطاليا، التي حذرت من أن إنهاء القوة قبل جاهزية الجيش اللبناني سيخلق فراغًا استراتيجيًا قد يُستغل من قبل الجماعات المسلحة. إسرائيل بدورها وافقت على التمديد على مضض، في حين دافع الدبلوماسيون الأمريكيون، وعلى رأسهم السفير لدى تركيا والمبعوث إلى لبنان توم باراك، عن خطتهم التي تضمنت فترة محددة للانسحاب لاحقًا.

انتقادات متعددة الأطراف:
تلعب قوة "اليونيفيل" دورًا مزدوجًا في جنوب لبنان، لكنها لم تسلم من الانتقادات. فقد اتهمها مؤيدو "حزب الله" بالتواطؤ مع إسرائيل، فيما اتهمتها إسرائيل بالتغاضي عن النشاطات العسكرية للحزب في المنطقة. هذا الوضع يضع القوة في مواجهة مستمرة بين مطالب الاستقرار والضغوط السياسية من الأطراف المختلفة.

العمليات الميدانية:
على الرغم من الانتقادات، تواصل "اليونيفيل" مهامها الميدانية باكتشاف أسلحة غير مصرح بها، تشمل قاذفات صواريخ وذخائر هاون وفيوزات قنابل، وتقوم بإبلاغ الجيش اللبناني فورًا بهذه الاكتشافات. ويعكس هذا الدور الميداني أهمية القوة في مراقبة الوضع الأمني ومنع تصعيد محتمل في جنوب لبنان.

الصلاحيات الدولية:
يبقى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الجهة المخوّلة قانونيًا لتجديد ولاية "اليونيفيل" أو اتخاذ قرار الانسحاب النهائي. وتعتمد أي خطوات مستقبلية للقوة على تقييم الوضع الأمني على الأرض، ومدى جاهزية الجيش اللبناني لتولي مسؤولية تأمين الحدود الجنوبية دون وجود القوة الأممية.

الموقف الأممي:
أكد المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دو جاريك أن "اليونيفيل" تظل عنصرًا حيويًا لاستقرار جنوب لبنان والمنطقة الإقليمية، مشددًا على أن قرار تجديد ولايتها أو إنهائها يقع ضمن صلاحيات مجلس الأمن الدولي. وأضاف دو جاريك أن أي انسحاب أو تقليص للقوة يجب أن يتم بالتنسيق مع جميع الأطراف لتفادي خلق فراغ أمني قد يؤدي إلى تصعيد محتمل.

موقف "اليونيفيل":
من جانبه، أوضح المتحدث باسم القوة أندريا تيننتي أن قوات "اليونيفيل" موجودة لمساعدة الأطراف اللبنانية والإقليمية في تنفيذ مهام الولاية، وأنها تواصل مراقبة الوضع الأمني بدقة وانتظار القرار النهائي لمجلس الأمن بشأن مستقبل مهمتها، مؤكداً التزام القوة بالحفاظ على الاستقرار أثناء أي عملية انتقالية.

الموقف الأمريكي:
ترى إدارة ترامب أن تقليص قوة "اليونيفيل" وإنهاء مهمتها خطوة استراتيجية تهدف إلى استعادة الجيش اللبناني السيطرة الكاملة على الحدود الجنوبية، وتقليص النفوذ الإيراني عبر "حزب الله". ويعكس هذا الموقف أولويات واشنطن في الضغط على الجماعات المسلحة وتحديد دور القوات الدولية في لبنان بما يتوافق مع المصالح الأمريكية في المنطقة.

الموقف الأوروبي:
حذرت فرنسا وإيطاليا من أي فراغ أمني محتمل نتيجة إنهاء مهمة "اليونيفيل" قبل أن يكون الجيش اللبناني جاهزًا لتأمين المنطقة بالكامل. ورأت الدولتان أن الانسحاب المبكر قد يفتح المجال أمام "حزب الله" أو أطراف أخرى لتعزيز وجودها العسكري، وهو ما قد يقوض الاستقرار في جنوب لبنان ويعيد المنطقة إلى دائرة التوترات التقليدية.

القرار الأمريكي يمثل نقطة تحوّل محتملة في الأمن الإقليمي، إذ يضع لبنان أمام اختبار حقيقي لقدرة جيشه على ملء الفراغ العسكري والأمني الذي قد تخلّفه "اليونيفيل". ومع استمرار التوترات بين القوى الإقليمية والدولية، يبقى احتمال تفجر صراع محدود أو تصعيد أمني في جنوب لبنان قائمًا، ما يجعل المنطقة تحت مراقبة دقيقة من قبل جميع اللاعبين المحليين والدوليين.

"اليونيفيل" بين الأمن الإقليمي والنفوذ السياسي

قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، أو "اليونيفيل"، أنشئت عام 1978 بعد غزو إسرائيل لجنوب لبنان، بهدف مراقبة انسحاب القوات الإسرائيلية وضمان استقرار الحدود اللبنانية الجنوبية. ومع حرب 2006 بين إسرائيل و"حزب الله"، توسعت مهامها لتشمل مراقبة النزاعات، دعم الجيش اللبناني، ومراقبة حركة الجماعات المسلحة، بالإضافة إلى حماية المدنيين وتأمين المساعدات الإنسانية.

على مدى عقود، شكلت "اليونيفيل" خط أمني ثابت بين إسرائيل ولبنان، لكنها لم تكن خالية من الانتقادات. إسرائيل اتهمت القوة بالتغاضي عن تعزيز قدرات "حزب الله" العسكرية، فيما وصف مؤيدو الحزب وجودها بالتواطؤ مع إسرائيل. داخل لبنان، كان هناك جدل مستمر حول مدى قدرة الجيش اللبناني على تولي المسؤولية الأمنية الكاملة دون دعم دولي، في ظل نقص التدريب والعتاد وقيود التمويل.

التمويل الأمريكي للقوة تعرض لتقليصات متكررة، وهو ما دفع إدارة ترامب إلى إعداد خطة لإنهاء مهمة "اليونيفيل" خلال ستة أشهر، معتبرة أنها "هدر للمال" ويؤخر استعادة الجيش اللبناني السيطرة على الحدود. هذا القرار، وفقًا لمصادر ABC، يأتي في سياق استراتيجيات أمريكية أوسع للحد من النفوذ الإيراني في المنطقة، وتقليص أي دور قد يلعبه "حزب الله" في الجنوب اللبناني.

الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا وإيطاليا، عبرت عن قلقها من أن إنهاء القوة قبل جاهزية الجيش اللبناني سيخلق فراغًا أمنيًا كبيرًا قد يؤدي إلى تصعيد عسكري أو زيادة نشاط الجماعات المسلحة، وهو ما يعكس الخلاف الدولي حول لبنان كمساحة استراتيجية بين القوى الكبرى في الشرق الأوسط.

اليوم، تواجه "اليونيفيل" لحظة مفصلية، إذ من المتوقع أن يقرر مجلس الأمن تمديد مهمتها أو إنهائها، بينما تتصاعد التوترات السياسية والدبلوماسية بين الولايات المتحدة، الدول الأوروبية، لبنان، وإسرائيل، في وقت يترقب فيه الجميع قدرة الجيش اللبناني على استيعاب أي فراغ أمني محتمل، وحماية الاستقرار في منطقة لطالما كانت مسرحًا لصراعات مفتوحة ومتغيرة.

التأسيس 1978:
أُنشئت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "اليونيفيل" بعد غزو إسرائيل لجنوب لبنان، بهدف مراقبة انسحاب القوات الإسرائيلية، وحماية المدنيين، وتقديم الدعم اللوجستي للسلطات اللبنانية لتثبيت الاستقرار في المنطقة الحدودية.

مرحلة ما قبل حرب 2006:
خلال هذه الفترة، اقتصر دور "اليونيفيل" على المراقبة وتقديم تقارير دورية عن الوضع الأمني للجانب اللبناني والأمم المتحدة، إلى جانب دعم إنساني محدود للسكان المدنيين، دون تدخل مباشر في العمليات العسكرية أو النزاعات المسلحة.

بعد حرب 2006:
توسعت مهام القوة بشكل ملحوظ، لتشمل مراقبة وقف إطلاق النار وتنفيذ القرار الأممي 1701، ودعم الجيش اللبناني في الانتشار على الحدود، والإشراف على سحب القوات الإسرائيلية، بالإضافة إلى منع تهريب الأسلحة وتعزيز الرقابة على المخازن العسكرية في الجنوب.

السنوات الأخيرة (2010 – 2025):
زاد عدد الجنود والمراقبين لتغطية كامل جنوب لبنان، مع تكثيف عمليات التفتيش واكتشاف الأسلحة غير المصرح بها، بما في ذلك الصواريخ والذخائر الثقيلة. كما عملت "اليونيفيل" كوسيط لتفادي التصعيد العسكري بين الأطراف اللبنانية والإسرائيلية، رغم الانتقادات المتكررة من جميع الأطراف.

الوضع الراهن:
اليوم، تبلغ القوة نحو 10 آلاف جندي، ويستمر النقاش الدولي حول تمديد مهمتها أو إنهائها. ورغم الدور الحاسم الذي تلعبه في مراقبة الوضع الأمني، يظل أي انسحاب مبكر للقوة يشكل خطر خلق فراغ أمني قد يستغله الفاعلون المحليون والإقليميون في جنوب لبنان. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 2