أزمة السكن تشتعل في قلب دمشق

وكالة أنباء آسيا

2025.08.18 - 11:07
Facebook Share
طباعة

 تشهد العاصمة دمشق واحدة من أعنف أزمات السكن في تاريخها الحديث، حيث ارتفعت أسعار الإيجارات والعقارات بشكل غير مسبوق خلال الأشهر الماضية، في ظل تدهور اقتصادي شامل وانهيار القدرة الشرائية للأسر السورية.


موجة ارتفاع غير مسبوقة
وفق معطيات السوق، وصلت الزيادات في أسعار الإيجارات إلى نحو 60% خلال فترة قصيرة، لتصبح كلفة استئجار شقة صغيرة في منطقة شعبية بدمشق بين 1.5 و4 ملايين ليرة سورية شهريًا، أي ما يتجاوز 300 دولار، بينما لا يتعدى متوسط راتب الموظف الحكومي 800 ألف ليرة. هذا التفاوت جعل من السكن في العاصمة عبئًا شبه مستحيل على شريحة واسعة من السكان.


أما في الأحياء الراقية مثل المالكي، أبو رمانة، والمزة، فقد خرجت الأسعار تمامًا من متناول معظم السوريين، إذ باتت الإيجارات تُطلب بالدولار حصريًا، متراوحة بين 800 و4000 دولار شهريًا. وهو ما جعل تلك المناطق حكرًا على فئات محدودة من رجال الأعمال والمغتربين.


عقبات البيع والشراء
سوق العقارات المعروض للبيع لا يقل تعقيدًا. فقد تراوحت أسعار الشقق في ضواحي مثل مشروع دمر وضاحية قدسيا بين 1 و2 مليار ليرة سورية، بينما ارتفعت الأسعار في قلب العاصمة إلى ما يفوق 5 مليارات ليرة في بعض المناطق. وإلى جانب الغلاء، تواجه عمليات البيع والشراء شللاً إداريًا بفعل تعقيدات التسجيل وتوقف بعض الدوائر العقارية، ما دفع كثيرين إلى اللجوء لعقود عرفية لا تضمن حقوقهم القانونية.


معاناة الأسر
الكثير من العائلات تجد نفسها أمام خيارات صعبة. بعض الموظفين يضطرون إلى التنقل أسبوعيًا بين مدن أخرى والعاصمة لتفادي تكاليف السكن، فيما تعيش عائلات أخرى قلقًا دائمًا من الزيادات المستمرة في الإيجار، ما يهدد استقرارها المعيشي والاجتماعي. هذه الأوضاع دفعت إلى ازدياد حالات السكن المشترك بين أكثر من عائلة، أو الانتقال إلى ضواحٍ بعيدة رغم ضعف الخدمات فيها.


أبعاد اقتصادية واجتماعية
لا يمكن فصل أزمة السكن عن المشهد الاقتصادي الأوسع في دمشق. فالتضخم الكبير، وارتفاع أسعار المواد الغذائية والكهرباء والمياه، وانهيار الليرة السورية، كلها عوامل ساهمت في تعميق الضغوط المعيشية. في الوقت نفسه، أدى غياب مشاريع الإسكان الاجتماعي وانعدام الرقابة على المضاربات العقارية إلى تفاقم المشكلة، بينما استغل بعض المستثمرين الوسطاء الوضع لتعظيم أرباحهم على حساب المواطنين.


الهجرة الداخلية من المناطق غير المستقرة نحو العاصمة ساهمت أيضًا في زيادة الضغط على السوق، وسط غياب خطط حكومية واضحة لمعالجة الاختناقات.


أزمة متعددة المستويات
من الناحية التحليلية، تعكس أزمة العقارات والإيجارات في دمشق حالة تراكمية تمتد لسنوات. فغياب السياسات السكنية طويلة الأمد، وتوقف مشاريع الدعم الحكومي، سمحا بتحول السكن إلى أداة استثمار ومضاربة، بدل أن يبقى حقًا أساسيًا للمواطن.


في المدى القريب، يتوقع أن تستمر الأسعار بالارتفاع ما لم تُتخذ إجراءات حازمة لكبح السوق وتنظيمه. أما على المدى البعيد، فإن استمرار الفجوة بين الدخل وتكاليف السكن سيؤدي إلى مزيد من التفاوت الطبقي والنزوح الداخلي، وربما يفتح الباب أمام اضطرابات اجتماعية.


لذلك تبدو الحاجة ملحة لوضع خطة إنقاذ شاملة تشمل تنظيم الإيجارات، ودعم الإسكان منخفض التكلفة، وتسهيل إجراءات التملك، إلى جانب توفير حماية للأسر الفقيرة من خطر التشرد أو الاستغلال العقاري.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 8