وسط استمرار الأزمة الإنسانية والسياسية الناجمة عن احتجاز مئات الإسرائيليين في قطاع غزة منذ هجوم حركة «حماس» في السابع من أكتوبر 2023، تتصاعد مؤشرات على استعداد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للنظر في اتفاق جزئي مع الحركة الفلسطينية، قد يسمح بالإفراج عن بعض الأسرى المحتجزين، بينما تواصل الحكومة الإسرائيلية التأكيد على أن الهدف النهائي هو التوصل إلى اتفاق شامل يشمل جميع الرهائن دفعة واحدة.
هذه التطورات تأتي في سياق تحركات دبلوماسية إقليمية مكثفة، يقودها الوسطاء من مصر وقطر، من أجل تسريع التوصل إلى تسوية تقلل من آثار الأزمة على الأسر والعائلات المتضررة، وفي الوقت نفسه تحافظ على الموقف الأمني والسياسي لإسرائيل.
ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، اليوم الأحد، نقلاً عن مسؤول رفيع المستوى، أن نتنياهو أبدى استعداده لدراسة اتفاق جزئي مع حركة «حماس»، بحيث يشمل الإفراج عن عدد من المحتجزين في قطاع غزة. ونقلت القناة «12» الإسرائيلية عن مسؤول مشارك في المفاوضات قوله إنه جرى إبلاغ أقارب الأسرى المحتجزين بإمكانية تجاوز «الخطوط الحمراء» الإسرائيلية، إذا وافقت «حماس» على شروط الاتفاق الجزئي. وأوضح المصدر أن إسرائيل لا تزال تركز رسمياً على التوصل إلى اتفاق شامل، لكنه أشار إلى أن المرونة قائمة تجاه اتفاق جزئي في حال كانت الشروط مقبولة.
وأضاف المسؤول أن إسرائيل لم تتسلم بعد أي مسودة رسمية من الوسطاء، في وقت يحاول كل من مصر وقطر الضغط من أجل تسريع العملية التفاوضية. وأشار إلى أن هذه الجهود تأتي في ظل حالة من التوتر والضغط المتصاعد بين الأسر والعائلات، التي تنتظر بقلق معرفة مصير أبنائها، وسط استمرار الحصار الإسرائيلي والعمليات العسكرية في القطاع.
وتأتي هذه المؤشرات بعد بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي يوم السبت، أكد فيه أن إسرائيل تسعى فقط إلى اتفاق شامل يتضمن إطلاق جميع الرهائن دفعة واحدة، وهو الموقف الذي تمسك به حتى الآن رغم التقارير عن استعداد حركة «حماس» لمناقشة ترتيبات جزئية ويعكس هذا الموقف التوتر الداخلي بين الرغبة في حماية الرهائن والتصدي للضغط الشعبي المتزايد على الحكومة لإيجاد حل سريع، خصوصاً بعد مرور أكثر من 22 شهراً على احتجازهم.
ويشير محللون إلى أن أي اتفاق جزئي قد يكون خطوة تكتيكية تهدف إلى تخفيف الضغط الشعبي والسياسي، بالإضافة إلى إمكانية استخدامه كوسيلة لإعادة فتح قناة تفاوضية مع «حماس» على أسس محددة، دون التخلي عن الهدف الاستراتيجي المتمثل في التوصل إلى اتفاق شامل يعيد جميع الأسرى دفعة واحدة. ومع ذلك، فإن نجاح هذا الخيار يعتمد على مرونة الطرفين وقدرة الوسطاء على ضمان التزام الحركة الفلسطينية بتنفيذ أي ترتيبات جزئية بشكل فوري وفعال.
وبينما لا تزال التفاصيل المتعلقة بعدد الأسرى المشمولين بالاتفاق الجزئي وشروط الإفراج عنهم غير واضحة، تركز التقديرات على أن التوصل إلى مثل هذا الحل المؤقت قد يخفف من حدة الاحتقان الشعبي في إسرائيل، ويمنح الحكومة هامشاً أكبر لإدارة ملف الرهائن والمفاوضات دون تصعيد جديد، مع الحفاظ على صورة الدولة أمام المجتمع الدولي.
في المقابل، يبقى التحدي الأكبر هو الحفاظ على التوازن بين الضغط على حركة «حماس» للامتثال لشروط الاتفاق الجزئي، وبين عدم إعطاء أي إشارات ضعف قد تؤثر على الموقف العسكري والأمني لإسرائيل، خصوصاً مع استمرار العمليات العسكرية في القطاع وتزايد المخاطر الإنسانية. ويبدو أن التوقيت الحالي يحمل أهمية كبيرة، حيث يشهد المشهد الإسرائيلي ضغوطاً شعبية وسياسية متزايدة، في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة والوسطاء الإقليميون إلى صياغة ترتيبات عملية تتيح الإفراج عن الأسرى دون المساس بالموقف الاستراتيجي للدولة.
في هذا السياق، تبدو الاتفاقات الجزئية كخيار تكتيكي قد يسمح بتحقيق تقدم ملموس في ملف الرهائن، مع استمرار العمل نحو الاتفاق الشامل الذي يضمن إطلاق جميع الأسرى دفعة واحدة، بما يتوافق مع سياسة الحكومة الإسرائيلية والأهداف الأمنية المعلنة. وفي ضوء هذه المعطيات، يبقى ملف الرهائن في غزة أحد أكثر الملفات حساسية على الساحة الإسرائيلية، إذ يعكس تداخل السياسة المحلية مع الضغوط الإنسانية والأمنية والدبلوماسية الإقليمية والدولية.