صدمة استخبارية وفضيحة أخلاقية: كيف تقرأ إسرائيل تسريبات حاليفا؟

متابعات _ وكالة أنباء آسيا

2025.08.17 - 04:28
Facebook Share
طباعة

أحدثت التسريبات الصوتية للرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، أهارون حاليفا، هزة غير مسبوقة داخل الإعلام الإسرائيلي والأوساط الأمنية، لأنها كشفت قصوراً استخبارياً كارثياً عشية هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، وأظهرت أيضاً ذهنية انتقامية تقوم على الدعوة إلى قتل الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال، كجزء من "معادلة الردع".
المزج بين الفشل المهني والانحطاط الأخلاقي فتح باباً واسعاً للتساؤل: كيف ينظر الإسرائيليون إلى مؤسستهم الأمنية بعد الفضيحة المزدوجة؟

من خلال ما عرضته القناة 12، بدا حاليفا وكأنه يقرّ ضمنيًا أن جهاز الاستخبارات الذي قاده كان يعيش في "غرفة صدى"، يصدّق روايته الداخلية بأن حماس مردوعة بالأموال القطرية وأن الهدوء في غزة مضمون، رغم ظهور مؤشرات ميدانية معاكسة.
اعترافه بأنه كان سيخبر رئيس الأركان ليلة الهجوم أن "كل شيء على ما يرام" يختزل جوهر الصدمة: جهاز كامل ظل أسيرًا لثقة عمياء وتصور زائف، وهو ما جعل إسرائيل تفاجَأ بأعنف هجوم في تاريخها المعاصر.

التسريبات لم تقتصر على الإخفاق الأمني، بل تضمنت تصريحات خطيرة من زاوية القيم والمعايير الدولية. حاليفا لم يتردد في القول إن على إسرائيل قتل خمسين فلسطينيا مقابل كل قتيل إسرائيلي، "حتى لو كان بينهم أطفال"، مبررًا ذلك باعتباره "رسالة للأجيال القادمة". هذه الجملة تحديدا فتحت سجالًا داخليًا في إسرائيل حول طبيعة العقيدة العسكرية التي تُلقَّن للأجيال الجديدة: هل هي عقيدة ردع أم نزعة انتقام جماعي تقوم على منطق العقاب الجماعي الذي يجرّمه القانون الدولي؟

الإعلام الإسرائيلي انقسم أمام الفضيحة بعض الأصوات اليمينية حاولت الدفاع عن المنطق العقابي باعتباره "ضرورة وجودية"، بينما صحفيون ومعلقون آخرون ـ مثل رون كحليلي ـ وصفوا التصريحات بأنها انزلاق أخلاقي خطير، مؤكدين أن تدمير غزة وتهجير سكانها يندرجان في إطار جرائم الحرب. الجدل التلفزيوني بين نافيه درومي وكحليلي لم يكن مجرد نقاش مهني، بل تجسيد لانقسام أعمق داخل المجتمع الإسرائيلي: بين خطاب يرى الفلسطينيين "مسؤولين عن مأساتهم" وخطاب يحذر من أن التبرير المتكرر يقود إسرائيل إلى عزلة دولية متزايدة.

تحليل الخبراء يشير إلى أن الأزمة ليست مرتبطة بشخص حاليفا وحده، وإنما تعكس بنية كاملة داخل المؤسسة العسكرية والأمنية.
الفشل في التقدير يعكس ضعفاً منهجياً في قراءة الخصم، بينما الدعوات للقتل الجماعي تكشف ثقافة عنف متجذرة في أعلى المستويات.
التناقض بين ضعف الأداء العسكري وارتفاع منسوب الخطاب الدموي يضع إسرائيل أمام مأزق مزدوج: عجز عن إقناع جمهورها بكفاءة الجيش، وعدم قدرة على إقناع العالم بشرعية أفعالها.

جاءت في لحظة سياسية حساسة، حيث يواجه نتنياهو ضغوطًا داخلية بسبب طول أمد الحرب في غزة وازدياد الانتقادات الدولية. إسرائيل التي سعت إلى تسويق صورة "الدولة الديمقراطية المدافعة عن نفسها" تجد نفسها مكشوفة أمام الرأي العام بصورة جهاز أمني يفكر بمنطق "النكبة الدورية"، أي فرض مآسي متكررة على شعب آخر كوسيلة للسيطرة والإدارة.

في ذات السياق تسريبات حاليفا لم تفضح شخصًا واحدًا، وإنما كشفت عن أزمة بنيوية داخل إسرائيل: أزمة ثقة بمؤسساتها الأمنية، وأزمة أخلاقية في خطابها العسكري. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 8