في خطوة أثارت جدلاً واسعاً داخل وخارج سوريا، قدم مجموعة من المقاتلين الأجانب الذين شاركوا في الحرب السورية التماسات رسمية إلى الحكومة السورية يطالبون فيها بالحصول على الجنسية السورية وجوازات سفر كاملة. هؤلاء المقاتلون، الذين جاؤوا من دول عدة وانخرطوا في الفصائل المعارضة سابقاً، يبررون طلبهم بالالتزام الذي أبدوه خلال سنوات النزاع، معتبرين أنهم استحقوا فرصة الاستقرار في سوريا بعد ما قدموه من تضحيات.
الالتماس الذي تقدم به الصحفي والمقاتل السابق بلال عبد الكريم، الأميركي الأصل، يسلط الضوء على مجموعة متنوعة من الأشخاص من أكثر من عشر دول، تشمل مصر والسعودية ولبنان وباكستان وإندونيسيا ومالديف، بالإضافة إلى جنسيات أوروبية مثل البريطانية والألمانية والفرنسية، وأصول شيشانية وإيغورية. بحسب نص الرسالة، فإن هؤلاء المقاتلين يواجهون وضعاً قانونياً غامضاً: بعضهم فقد جنسيته الأصلية، والبعض الآخر مهدد بالملاحقة القضائية في بلده، وقد تعيقهم هذه الظروف عن العيش بحرية أو ممارسة حقوقهم الأساسية.
وفي نص الالتماس، شدد الموقّعون على أن منحهم الجنسية السورية سيكون خطوة لتثبيت أقدامهم في المجتمع، وتمكينهم من حقوق أساسية مثل امتلاك الأراضي والسفر بحرية. كما أشاروا إلى الروابط العاطفية التي أقاموها مع المجتمع السوري والفصائل التي قاتلوا إلى جانبها، معتبرين أن هذه التجربة تمنحهم الحق في الاعتراف الرسمي بهم كمواطنين.
خلفيات وتداعيات سياسية
لكن هذا التوجه ليس خالياً من التعقيدات. الحكومة السورية، وفق تصريحات متحدث باسم وزارة الداخلية، لم تُصدر أي قرار نهائي، مؤكدة أن مسألة منح الجنسية للأجانب هي من صلاحيات الرئاسة وحدها. هذا التوضيح يعكس حساسية الموضوع، إذ أن منح جنسيات لأجانب ممن شاركوا في النزاع قد يثير ردود فعل داخلية وخارجية على حد سواء.
على الصعيد الدولي، يظهر أن دولاً غربية تحذر السلطات السورية الجديدة من تبعات منح جنسيات للمقاتلين الأجانب، خصوصاً إذا تم تعيين بعضهم في مناصب عسكرية عليا. مسؤولون أميركيون وأوروبيون أبلغوا القيادة السورية بأن مثل هذه الخطوة قد تضر بالعلاقات الدبلوماسية وتحمل مخاطر أمنية، خاصة إذا انخرط هؤلاء الأجانب في نشاطات عسكرية أو سياسية قد تُنظر إليها على أنها تهدد استقرار المنطقة.
من منظور داخلي، تشير التحليلات إلى أن الحكومة السورية الجديدة تواجه تحدياً مزدوجاً: فهي بحاجة إلى إعادة هيكلة قواتها الأمنية والعسكرية بعد سنوات النزاع الطويلة، وقد يشكل الاستفادة من خبرات هؤلاء المقاتلين أحد الحلول العملية، لكنه يأتي في الوقت ذاته مع مخاطر حساسة، من حيث الولاء والشرعية ومراقبة المجتمع الدولي.
مخاوف قانونية وأمنية
القضية تتعدى مجرد طلب جنسية؛ فهي تفتح الباب لمناقشات قانونية واسعة حول وضع الأجانب الذين شاركوا في النزاعات الداخلية. بعض هؤلاء المقاتلين فقدوا جنسياتهم الأصلية، ما يجعلهم عرضة لملاحقة قانونية في بلدانهم، بينما يظل البعض الآخر في حالة قانونية غير مستقرة داخل سوريا. هذه الفجوة القانونية تعكس تحديات إعادة دمج الأجانب في المجتمع السوري بعد سنوات من القتال، وتطرح أسئلة حول معايير منح الجنسية وحقوق المواطنة.
في الوقت نفسه، هناك مخاوف أمنية واضحة. أي منح جنسية لمقاتلين أجانب يتطلب رقابة دقيقة لمنع تسلل عناصر متطرفة أو جماعات تشكل تهديداً للأمن الداخلي. لذلك، تبدو المسألة أمام السلطات السورية وكأنها مزيج من الحسابات السياسية، والأمنية، والاجتماعية، التي يجب موازنتها بحذر شديد.
يمكن النظر إلى الالتماس كحركة استراتيجية من المقاتلين الأجانب لضمان مستقبلهم في سوريا بعد سنوات الحرب، وربما كمحاولة للحصول على حماية قانونية وسياسية في بلد يكاد يكون الغموض هو السمة الأساسية لمصير الكثيرين فيه.
لكن المخاوف الغربية من تعيين هؤلاء الأجانب في مواقع مؤثرة تكشف عن بعد دولي آخر: سوريا الآن تحت مجهر القوى الكبرى، وأي حركة في هذا الملف يمكن أن تؤثر على العلاقات الدبلوماسية، وعلى فرص الحصول على دعم اقتصادي وسياسي خارجي. بالتالي، من المتوقع أن تتعامل السلطات السورية مع هذه الالتماسات بحذر شديد، مع محاولة خلق توازن بين مطالب المقاتلين ومتطلبات المجتمع الدولي والمحلي.
في النهاية، يظل السؤال الأكثر إثارة: هل سيحقق هؤلاء المقاتلون حلمهم بالحصول على الجنسية وجواز السفر السوري، أم أن هذا الالتماس سيظل في دائرة الانتظار، متجمدًا بين الطموح الشخصي والحسابات السياسية المعقدة؟ الإجابة النهائية ربما تعكس توجهات الحكومة السورية الجديدة في التعامل مع ماضي الحرب وإعادة ترتيب أولوياتها في المستقبل.